سحر الجعارة
فى فيلم «بنتين من مصر» ذهبت إحدى البطلات «زينة» إلى مكتب زواج وملأت الاستمارة، ومع تزايد ضغط كلمة «عانس»، والرغبة الجارفة فى «ضل راجل»، والإنجاب الذى تقل فرصه بعدما وصلت لنقطة الغليان «سن الثلاثين».. رأينا بطلة الفيلم تتصل من حين لآخر بمكتب الزواج لتتنازل عن بعض شروطها، فتقبل برجل أعزب «مطلق أو أرمل»، أو تتنازل حتى عن الشبكة.. ولم تتزوج واحدة من البطلات عن طريق التعارف عبر الإنترنت أو الخاطبة أو مكاتب الزواج!.
فقط عانقن جثث الشباب الذين هربوا من جحيم الفقر إلى «عبّارة الموت» فماتوا غرقاً!.
وعادت «الأنثى» إلى المجتمع الذى يحاصرها بنظرات السخرية، ويُحمِّلها مسئولية العنوسة، ويعتبرها «سلعة منتهية الصلاحية»، وأن عليها أن تخضع لأى شروط مجحفة حتى تتخلص من وصمة العار التى تلاحقها.. رغم أنها لم ترتكب أى ذنب إلا الانتظار فى «محطة ترانزيت» لا تقابل فيها إلا العابرين للحدود!.
وبدون أدنى إحساس بكرامة البنت المصرية، أو وعى بالمشكلات الاقتصادية التى يعانيها الشباب، أصبحنا نتعامل مع أزماتنا الاجتماعية بـ«الألش والتريقة».. رغم أنه واقع تراجيدى وليس كوميدياً كما يعتقد البعض.
غلاء أسعار السكن وتكاليف الزواج والمهر، والعادات والتقاليد المتبعة جعلت «العريس» متهماً إلى أن يثبت العكس، عليه أن يوقِّع على قائمة منقولات «القائمة» وأن يلتزم بمؤخر الصداق، هذا بخلاف قواعد «المباهاة والتفاخر» التى تتطلب «شبكة ألماس وفرحاً فى فندق خمس نجوم.. إلخ».. ولو نظر الآباء إلى واقع الشباب لوجدوا أن الغلاء يقيد أى شاب يحلم فى حقه المشروع بتكوين أسرة والإنفاق عليها، ويحطم كل ما تفرضه الأسر لتزويج الفتاة.. لكن بعض الأسر تعتبر الزواج «صفقة»، حتى تتضاءل فرصها وتجلس فى انتظار «الفارس» الذى يُفترض أن يأتى بسيارة آخر موديل!.
الغريب أن كلا الطرفين «ضحية» لواقع اقتصادى خانق.
نحن نحتاج لنسف ثقافة الشقق التمليك والمساحات الشاسعة والاكتفاء بـ«استوديو» فى بداية تأسيس الأسرة، نحتاج إلى تفعيل شروط وبنود «وثيقة الزواج» التى تحمى الفتاة بدلاً من «قائمة التهديد بالسجن»، نحتاج إلى دفء العائلة المنزلى بدلاً من الفنادق الفارهة لعقد القران.. نحتاج لثقافة المشاركة والتعاون لبناء أسرة بدلاً من وزن «قيراط الألماس».. نحتاج إلى وقفة إنسانية تلغى كلمة «عانس» من قاموسنا لأننا نظلم الفتاة مرتين ونجلدها نيابة عن مجتمع خذلها بأكمله.
هذا العام قدمت الدراما الرمضانية «شيماء - سلمى ضيف» بطلة مسلسل «أعلى نسبة مشاهدة» التى واجهت صفعات الوصم بمصطلح «عانس» عدة مرات، فقبلت أن تقبل بشاب مغترب لديه كافة الإمكانيات.. هذه الإمكانيات جعلته يختار أختها بدلاً منها طالما أن أى فتاة متاحة بشرط توافر الإمكانيات.. وكانت دائماً ما تطاردها أمها لتعايرها بعبارة «سن الثلاثين» وكأنها أجرمت ويجب عليها أن تكفر عن جريمة «سن الغليان»!.
لكن الجيل الحالى (بعد 14 عاماً على «بنتين من مصر»)، أصبح لديه بدائل أخرى غير التنازل عن الشبكة أو التردد على مكاتب الزواج.. وتحولت بعض البنات إلى سلعة فعلياً فى عالم الإنترنت، ذلك الغول الذى ابتلع الكثير منهن وازدحم بالجرائم الأخلاقية للبعض منهن.. تتفق أو تختلف حول «مفهوم الحرية» هنا أو الخيط الرفيع الفارق بين الحرية والاتجار بالجسد أعتقد أن «أعلى نسبة مشاهدة» يحتاج لمناقشة أعمق المقال القادم.
نقلا عن الوطن