القمص يوحنا نصيف
الإنجيل من متّى (18: 23 – 35)
«لِذلِكَ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ. فَلَمَّا ابْتَدَأَ فِي الْمُحَاسَبَةِ قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشْرَةِ آلاَفِ وَزْنَةٍ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَيُوفَي الدَّيْنُ. فَخَرَّ الْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ، وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ. وَلَمَّا خَرَجَ ذلِكَ الْعَبْدُ وَجَدَ وَاحِدًا مِنَ الْعَبِيدِ رُفَقَائِهِ، كَانَ مَدْيُونًا لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ قَائِلاً: أَوْفِني مَا لِي عَلَيْكَ. فَخَرَّ الْعَبْدُ رَفِيقُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَلَمَّا رَأَى الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ، حَزِنُوا جِدًّا. وَأَتَوْا وَقَصُّوا عَلَى سَيِّدِهِمْ كُلَّ مَا جَرَى. فَدَعَاهُ حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ، كُلُّ ذلِكَ الدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟.وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ. فَهكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَّلاَتِهِ».
نقول في صلاة القُدّاس الإلهي: أنّنا كُنّا مُباعين تحت ديون خطايانا، للموت الذي تَمَلّك علينا.. فلمّا جاء المسيح، اشترانا وافتدانا من موت ديون خطايانا، إذ مَحَا الصَّكّ الذي كان علينا، الذي كان ضِدًّا لنا.
هكذا فَعَلَ الملك بالعبد المديون، حينما توسّلَ إليه.. إذ لم يكن يملك شيئًا. وكان يجب أن يُبَاع هو وزوجته وأولاده.. وهيهات أن يسدِّد شيئًا.
في الواقع أنّ أُجرة الخطيّة موت.. وقد سدّد المسيح بموته عَنّا ديون خطايانا، فهو الوحيد القادر أن يبيد الموت، ويَفي الديون، ويُطلِق المأسورين أحرارًا.
+ هذا هو معروف المسيح، مع كلّ واحد.
+ والواجب يُحَتِّم علينا، أنّنا لا ننسى معروفَ الذي حرّرنا من الديون، وأطلقنا من سجن الموت، وأعطانا حُرّيّة مجد أولاد الله.
+ إن نِسْياننا لهذه الحقيقة، يجعلنا نتعامَل مع الآخرين كأنّهم مديونون حَقًا، وكأنّنا أصحاب حَقّ نطالِب به، فننحرف عن جادّة الصواب.
+ المسجون يَعذُر أخاه المسجون، والمديون يشعر بمرارة نفس المديون مثله.
+ يجب أن ينعكس ما نلناه، وما أخذناه من الله، على تصرفاتنا.
+ فإن كُنّا نلنا غفران خطايانا، نصير بذلك غافري خطايا ومسامحين.
+ وإن كُنّا تمتّعنا بمحبّة الله، رغم أنّنا خُطاة.. فنصير بذلك مُحبِّين.
+ وإن صِرنا بلا دَين أمام الله، فلنترك ديون المَدِينين لنا.
والعكس صحيح؛ فإن عامَلنا الآخرين بقسوة وعدم حُبّ وعدم غفران، فإنّ ما نلناه يُنزَع عَنّا.. «لأنّ ليس رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ» (يع2: 13).
لقد قصد السيّد الربّ بهذا المثل، أن ينبّهنا أنّ دوام النعمة في حياتنا، مرهون بحياة الرحمة تجاه الآخرين وممارستها. أمّا إذا أغلقنا أبوابنا في وجه الآخرين، فستُغلَق دوننا أبواب السماء، لأنّ بالكيل الذي به نَكِيل يُكَال لنا.
اِصنعْ رحمة مع المسيئين، وسامح واغفر واترك. وقارن حَجم الدَّين الذي لك على أخيك، بما تركه المسيح لك من ديون، تجده ملايين المرات.. فهو سامحك بالكثير، فليس عظيمًا إنْ كنتَ تترُك لأخيك القليل.
اِجعَل بابَ قلبِك مفتوحًا بالرحمة، فلا يَنغَلِق باب رحمة الله أمامك.
القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف
* الصورة بكنيسة السيّدة العذراء والقديس كيرلّس الكبير بكليوباترا بالإسكندريّة، وتعود إلى عام 1977م. يظهر فيها أبونا المتنيّح القمّص لوقا سيداروس، وعن يمينه القمّص صموئيل ثابت، كاهن الكنيسة في ذلك الوقت، وحاليا كاهن كنيسة مارمرقس في شيكاجو.. وعن يساره المتنيّح القدّيس القمص بيشوي كامل، ثم المتنيّح القمّص متّى باسيلي.