ياسر أيوب
فى 13 مايو 1981.. استضافت مدينة دوسلدورف فى ألمانيا الغربية أحد أغرب نهائيات بطولة أوروبا الكروية لأبطال الكئوس.. نهائى لايزال حتى الآن هو الأقل حضورا جماهيريا فى تاريخ أوروبا.. فلم يجلس يومها فى مدرجات راين ستاديون إلا 4750 مشجعا فقط.. فالنهائى كان بين نادى دينامو تيبليسى من الاتحاد السوفيتى ونادى كارل سيس جينا من ألمانيا الشرقية.
ناديان مغموران يلعبان نهائيا أوروبيا انتهى بفوز دينامو تيبليسى ليكمل مشوار مفاجآته حيث فاز فى دور الثمانية على الإنجليزى وست هام وفى قبل النهائى على الهولندى فاينورد ثم فاز بالكأس ليصبح ثانى ناد سوفيتى يفوز بإحدى بطولات أوروبا بعد دينامو كييف فى 1975.. وانتظر دينامو تيبليسى وجماهيره عشر سنوات حتى استقلت جورجيا فلم يعد دينامو تيبليسى ناديًا سوفيتيًا وأصبح ينتمى منذ 1991 لدولة مستقلة اسمها جورجيا.
دولة فى جنوب القوقاز تسكن ساحل البحر الأسود بين روسيا فى الشمال وتركيا وأرمينيا وأذربيجان، وتعد إحدى نقاط تلاقى قارتى آسيا وأوروبا.. وظلت جورجيا بعد استقلالها تواصل غرامها الكروى دون انتصارات كبرى ونجاحات حقيقية حتى فازت منذ يومين على اليونان فى العاصمة تيبليسى بضربات الجزاء وتأهل منتخبها أخيرا لنهائيات أمم أوروبا فى يونيو المقبل فى ألمانيا.
وفوجئ العالم الكروى كله بمشهد نزول مئات المشجعين للملعب عقب نهاية المباراة للاحتفال بتأهل بلدهم ومشاركتها لأول مرة فى تاريخها لنهائيات بطولة كروية كبرى.. وتخيل كثيرون أن هذا التأهل كان سببا وحيدا لهذه الفرحة المجنونة التى اختلطت فيها الابتسامات والدموع والرقص والغناء.. واستند هؤلاء الكثيرون إلى حقيقة تحول ملاعب الكرة فى زماننا إلى ساحات مباح فيها ممارسة الجنون والفرحة والغضب والتمرد والحزن والخوف والحلم.
لكن لم يلتفت هؤلاء لسبب آخر أو دافع حقيقى لكل هذه الفرحة المجنونة.. فالناس فى جورجيا يعيشون تحت ضغوط ووسط مخاوف هائلة منذ بدأت الحرب الروسية الأوكرانية.. وتعرضت جورجيا لتهديدات ومساومات ومطالب معلنة وسرية لأنها لم تقرر الانحياز الكامل لروسيا ولم تقبل قواعد وشروط الطاعة المطلقة لأوروبا والولايات المتحدة.. وكان الثمن أن يعيش أهل جورجيا مهددين طول الوقت بحرب مفاجئة قد تنشب فى أى لحظة.. ولهذا احتاج الناس لأى فرحة تنسيهم مؤقتا كل ذلك حتى لو عثروا عليها فى ملعب لكرة القدم.
فعلى الرغم من نجاح لاعبى جورجيا فى حصد الكثير من الميداليات الأوليمبية فى المصارعة والجودو وألعاب أخرى إلا أن كرة القدم تبقى لها مكانتها الخاصة.. ومنذ تأسيس أول اتحاد كروى لجورجيا بعد استقلالها وخسارة أول مباراة رسمية كانت أمام ليتوانيا 1992 وأهلها ينتظرون أى انتصار كروى لم يتحقق إلا منذ يومين.
نقلا عن المصري اليوم