بقلم: أندرو اشعياء
رجل نستطيع أن نتعرف على غناه، من ذلك القبر الذى نحته فى الصخر فى بستان، فإذا كانت مقبرته بستانًا عظيمًا، تحف به الأشجار والزهور، فكم يكون قصره أو بيته؟!

ومن المعتقد أنه كان يملك فى أورشليم قصرًا كالكثيرين الذين يملكون فى العاصمة بيتًا، إلى جانب بيوتهم فى الأقاليم، ولهذا أيضًا نحت قبره فى المدينة المقدسة.. ومن الواضح أنه كان يمتلك الثروة، أكثر مما كانت الثروة تمتلكه، فهو ليس بالرجل البخيل المقتر على نفسه، بل هو الرجل الذى يستطيع أن يستمتع بثروته على نحو سخى كريم ! انه القديس يوسف الرامي..

كان يوسف الرامى (نسبة إلى الرامة وهى نفس البلدة التى ولد فيها صموئيل النبى 1صم1: 1) غنيًا (مت27: 57) وعضوًا فى السنهدريم، وكان المسيح طوال ثلاث سنوات فى حاجة إلى مال الرامى - ربما من وجهة نظر اخرين - ، بل وإلى جهده، وإلى خدمته..

ولو انضم يوسف الرامى إلى القافلة المسيحية من الابتداء، لربما كان فى ذلك تشجيعًا وبركة كبيرة لغيره من التلاميذ. ولكن يوسف الرامى حرم نفسه والآخرين من بركات الحياة العلنية طوال الخدمة الجهارية التى قام بها السيد المسيح لأكثر من ثلاث سنوات فى أرض فلسطين! وفضل حياة الاختفاء لذا حق له ان يصفه متى الانجيلي بالقول: «رجل غنى» أو هو مثال «الرومانى العظيم».. ونعته لوقا بالوصف: «مشيرًا ورجلًا صالحًا بارًا» (لو23: 50) وترجمت فى بعض الترجمـــات: «رجلًا طيبًا عادلًا».. أو هو مثال «اليونانى المهذب الخلق».. أى أنه الرجل الذى جمع فى نفسه أفضل خصائص الشعوب: ثروة اليهودى، وعظمة الرومانى، ونبل اليونانى.. لذا حق له ان يصير قبره كمذود، وُلدت لنا فيه القيامة وجِدّة الحياة

ولكن تعالوا نتعجب! فيوسف الرامي المائت تجرأ متقدمًا إلى بيلاطس المائت ليطلب منه جسد الإله المعطي الحياة!.. الجبلة تطلب من الجبلة أن تأخذ جابل الكل! العشب يطلب من العشب أن يأخذ النار السماوية! وكأن قطرة ماء تطلب من قطرة اخرى أن تعطي لها المحيط كله! يوسف الغني استحق أن يكون غنيًا بالمسيح، إذ حصل على اللؤلؤة الفريدة الوحيدة الجزيلة الثمن.. غني أخذ بين يديه خزينة الذخيرة الإلهية الكاملة.. غني اقتنى المسيح مخلص العالم كله.. غني تقبل هدية الهدايا، ذاك الذي يُطعم ويدبر كل الخليقة..

يوسف النجار لفه بالأقمطة عند ولادته، ويوسف الرامي لفه بالأكفان عند موته في القبر، يوسف النجار لازمه في المذود عند ميلاده، أما يوسف الرامي فأتى إليه حتى الدفن والقبر.. في ميلاده تقبل أطياب المر واللبان من المجوس، وعند القبر وُضعت الأدهان على جسده فصار قبره السيدي كمذود، وُلدت لنا فيه القيامة وجِدّة الحياة..