د. أمير فهمى زخارى

وبعباره أخرى :
"لا تجادل الأحمق، فقد يخطىء الناس في التفريق بينكما"
هذا المقال الخامس من سلسله مقالات سأتولى نشرها تباعا... نحكى المثل الشعبي وقصته وما يقابله في الكتاب المقدس من آيات وتأمل بسيط حوله للاستفادة منه في حياتنا ... وسبقه أربعه أمثال وهم " من حفر حفرة لأخيه وقع فيها" و " القرعة تتباهى بشعر بنت أختها" و "اللي تكسب به إلعب به" 
"جاك كسر حُقك"...
 
تعالوا نعرف معنى المثل الشعبى "احفر نفق بمسمار ولا تجادل واحد حمار" وهو يقابل المقوله "لا تجادل الأحمق، فقد يخطىء الناس في التفريق بينكما"..
هي مقولة قديمة نسبت إلى العالم اليوناني فيثاغورس عالم الرياضيات المشهور إلا أنه هناك روايات أنها منسوبة للزعيم الألماني هتلر والأرجح أنها لفيثاغورس الغرض منها تقديم النصيحة بعدم الدخول في جدال أو نقاش غير مثمر لا يعم بفائدة على صاحبه.
 
ومن الجدير بنا أن نلتفت إليه اليوم في عالم طَغَت فيه المجادلات. فأصبح من المعتاد أن تجد نقاشات يُصِرّ كلٌّ فيها على رأيه، فتعلو نبرة الصوت وتزداد حدته. تجد ذلك في البيت والمدرسة والعمل، وللأسف في الكنيسة! القِ نظرة على الفيسبوك لترى كم أصبح الناس يحبُّون طرح موضوعات للنقاش لمجرد النقاش، ولترى كم أن كل واحد يرى في نفسه الكفاءة للقَطع في أي موضوع. الكل صاروا علماء في كل شيء، في الرياضة والعلوم، في السياسة والكتاب. ولعلك توافقني أن هذا غير منطقي.
 
أصل المثل له حكايه وهى:
يُقال أنَّ الذئب اختلف مع الحمار ذات يوم على لون العشب . قال الحمار : لون العشب أصفر ، لكن الذئب قال : لون العشب أخضر واختلفا كثيراً ، ولم يصلا إلى حل ، وأخيراً قررّا أن يتحاكما إلى ملك الغابة . بدأت المحاكمة ، وكلٌّ أدلى بحُجّته ، وعند إصدار الحكم تلهّف الجميع لسماع كلمة العدالة . وإذا بالأسد خيّب ظِنَّ الحاضرين في جلسة الحكم ، فقد حكم على الذئب بالسجن لمدة شهر واحد ، وببراءة الحمار ! ، فاستنكر الذئب ، وقال : سيّدي أليس لون العشب أخضر ؟ . قال الأسد : بلى ، قال الذئب : إذاً لماذا حكمت عليّ بالسجن ، وأنا لم أخطئ الرأي ؟ . قال الأسد : صحيح إنك لم تخطئ الرأي ، لكنك أخطأت عندما جادلت الحمارَ على مسألةٍ كهذه ، ( فاحفر النَّفق بمسمار ولا تجادل واحد حمار ) ، لذلك أمرتُ بسجنك لكي تعتبر ، ولا تجادل من لا يستوعب ولا يفهم ، وليس بأهل لذلك ! . لذلك يضرب هذا المثل للذي تجادله ولا يقتنع بكلامك مع أنك قدمت له الحجة وذكرت السبب . فتقول المثل تلوم فيه نفسك .
 
اسمع مصدر هذا المثل من أقوال سليمان الحكيم «لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ تَعْدِلَهُ (تصير مثله) أَنْتَ» (أمثال٢٦: ٤). 
إنه ينصحك بألا تتدنى لتصير مثل هذا الجاهل. 
فكثيرًا ما تتطور المناقشة فتجد نفسك تتحدث بنفس طريقته ونبرته وتهوره؛ فتُحسَب مثله.
 
في العدد التالي لما سبق ذكره من أقوال الحكيم يقول «جَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ يَكُونَ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ» (أمثال٢٦: ٥)، فهل في هذا تعارض؟! بالطبع لا. 
 
إنه في الأولى يضع مبدأً عامًا ألا تجيب الذي يحب المجادلات للمجادلات لعدم نفع ذلك، يتكلم عن الطريقة، لكن في الثانية فهو يدعوك إذا كان الأمر يتعلق بالحق الذي تعرفه، لأن تضع الحق في نصابه أمام عيني الجاهل لئلا يظن أنه حكيمًا.
 
يدعوك لأن تتكلم بهدوء وإقناع بالحجة والأدلة الكتابية، وفي نفس الوقت بمنتهى الهدوء والاحترام.
ثم إنه ينبغي ألا تنساق لمجادلة لا تجد نفع فيها. 
 
هذا ما يقوله بولس لتلميذيه الأعزاء «وَأَمَّا الْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ (المسائل السخيفة)، وَالأَنْسَابُ، وَالْخُصُومَاتُ، وَالْمُنَازَعَاتُ النَّامُوسِيةُ فَاجْتَنِبْهَا، لأَنَّهَا غَيْرُ نَافِعَةٍ، وَبَاطِلَةٌ» (تيطس٣: ٩)، ولماذا تضيِّع وقتك وجهدك في ما لا نفع له، ومع من لا يريد المعرفة بل مجرد إثبات الذات؟ 
 
ويضيف في رسالة تيموثاوس الثانية٢: ٢٣، ٢٤ «عَالِمًا أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ، وَعَبْدُ الرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ»، وهذا أمر ينبغي أن نلتفت إليه بشدة. 
 
إن كل ما يسبب نزاعات وخصومات نحن مدعوون لتجنبه، فليس من سمات أتباع المسيح..
 
ويقول الامام الشافعى:
يخاطبنى السفيه بكل قبح .. فأكره أن أكون له مجيبا 
يزيد سفاهة فأزيد حلما.. كعود زاده الاحراق طيبا
اذا نطق السفيه فلا تجبه..    فخير من اجابته السكوت
فان كلمته فرجت عنه     ..    وان خليته كمدا يموت
 
وجدير بالذكر أنه إذا سؤلنا من واحد يريد فعلاً أن يعرف فيجب أن نكون «مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ (بلطف واحترام)» (١بطرس٣: ١٥).
 
والى اللقاء في الجزء السادس ... تحياتى.