ياسر أيوب
أيًّا كان رأيك فى الملاكمة، وهل تراها لعبة العنف والأذى أم تقبل أن يصفها كثيرون بأنها لعبة النبلاء.. فمن المؤكد أنها إحدى أكثر ألعاب العالم تعبيرا وتجسيدا للتحدى والغضب والاحتجاج وتحدى الفقر والظلم والخوف. وسواء داخل الحلبات الحقيقية أو عبر شاشات السينما حيث الملاكمة أكثر لعبة فى العالم أحبتها السينما.. جاء كل الملاكمين الكبار من بعيد جدا لا يريدون اللعب، لكن يريدون الخلاص من مرارة وقسوة أيامهم الأولى.. ومنذ البطل الأول جاك جونسون حتى البطل الأعظم محمد على كلاى، مرورا بكل الملاكمين الكبار، كانوا كلهم كأنهم لا يوجهون لكماتهم القوية لمنافسيهم إنما لظروفهم وذكرياتهم الموجعة.. وما يقال عن الرجال يقال أيضا عن السيدات.. واستعاد كثيرون كل ذلك بعد تأهل «سيندى نجامبا» لدورة باريس المقبلة.. فلم تكن سيندى مجرد ملاكمة لعبت وانتصرت وتأهلت لدورة أوليمبية، إنما تبقى حكايتها أكبر من ذلك
حكاية بدأت بطفولة سيندى فى الكاميرون، حيث وقعت فى غرام كرة القدم التى كانت تصنعها مع الأولاد من القش والقماش.. وحين بلغت سيندى الحادية عشرة من عمرها أجبرتها الظروف القاسية على الهروب إلى إنجلترا لتعيش هناك فى معسكرات اللاجئين.. ولم تعد هذه الظروف تسمح لها بلعب كرة القدم، لكنها مصادفة رأت الأولاد يمارسون الملاكمة فى ناد محلى.. وظلت سنتين تحلم بأن تكون مثلهم، وأن يقبلها مسؤولو هذا النادى رغم فقرها وخوفها وأنها ليست إنجليزية مثلهم.. وحين تم قبولها، اكتشف المدربون موهبتها دون أن يدرك معظمهم أن سيندى لم تكن توجه قبضتها القوية لمن تواجههم داخل الحلبة.. لكنها كانت تنتقم من كل ما جرى لها من غربة وعذاب وفقر وحرمان.. فتاة وحيدة بلا وطن وأهل أو بيت ومستقبل، مهددة طول الوقت بترحيلها إلى بلادها لتواجه هناك الموت.. وقادتها هذه القبضة القوية المسكونة بالقهر والرغبة فى الانتقام لأن تصبح بطلة إنجلترا لملاكمة السيدات الهاويات ثلاث مرات.. وحاول البعض مساعدتها للحصول على الجنسية الإنجليزية لتلعب باسم إنجلترا فى باريس، لكن رفضت إنجلترا لتظل غريبة لاجئة.. فقررت الأمم المتحدة احتراما لموهبتها ونجاحاتها وبطولاتها أن تضمها لبعثة اللاجئين.. وكلاجئة شاركت فى البطولة الدولية التى استضافتها إيطاليا فى مارس والمؤهلة لدورة باريس.. وفازت سيندى على الجميع وتأهلت بعلم اللاجئين والأمم المتحدة للدورة الأوليمبية المقبلة.
ورغم توقع البعض لها الفوز بإحدى ميداليات باريس، إلا أن سيندى نفسها لا يعنيها ذلك ولا تهتم بميدالية تعلقها فوق صدرها.. فهى لن تشارك باسم بلد، وإذا فازت فلن تجد علما ترفعه بحب وكبرياء.. لكن التأهل الأوليمبى كان قمة الانتصار لفتاة الكاميرون الفقيرة والحزينة.
نقلا عن المصرى اليوم