عادل نعمان
ولم يثبت هذا الحديث عن النبى، ودرجته ضعيف، «ضعّفه الألبانى ورهط من المصححين»، منهم المناوى والشوكانى، الذي قال عنه: «حديث موضوع» وغيرهم، ولقد رُوى عن النبى آلاف الأحاديث الموضوعة، وكان الوضاعون، «وهم واضعو الأحاديث»، إذا حذرهم أحد من مغبة الكذب على رسول الله: «فليتبوأ مقعده من النار»، كما حذر الرسول الكريم، كانت إجابتهم: «نحن لا نكذب على رسول الله، نحن نكذب لرسول الله» ظنًّا منهم أن الدعوة إلى الدين ربما تحتاج إلى القليل من الدجل والاختلاق والكذب، الذي يعززون به موقف الدين، فيطمئن الناس ويتثبتون، ويتبدد الخوف والقلق، ويواجهون المرتدين والزنادقة وأصحاب الأديان الأخرى، ويكيدونهم كيدًا بما أنعم الله عليهم واختصهم دون غيرهم بفضله ومعجزاته، إلا أن هذه الأحاديث ربما كانت داعمة في حينه، إلا أنها تنقلب عليهم في زمن آخر حين تكون متناقضة مع العلم أو الواقع.
ولا يخفى عليكم الفارق الكبير بين الأقوال المأثورة وبين الحديث الشريف، وأن انتساب قول مأثور إلى زمرة الأحاديث ورفعه إلى مقام النبوة ومكانتها أمر جلل حين يصبح هذا القول محمولًا ومرفوعًا على الحديث، فيلتزم الناس به، ويتعاهدون على تنفيذه ويؤصلونه حكمًا واجبًا لا خيار فيه، وارتباطًا وميثاقًا وعهدًا، بل يرتقى إلى مقام الوحى كما يزعم الكثير من المشايخ، وليس اختيارًا أو تفضيلًا بينه وبين غيره من الأقوال أو الحكم أو المواعظ أو التجارب الإنسانية، فنأخذ بها إذا لزم الأمر أو نتركها إن لم يلزم، والحديث، وإن كان ضعيفًا، فإن جموعًا تتشبث به، يدافعون عنه، ويقفون على بابه مهما عانى الناس، ولو علم الناس مكانته ودرجته ربما تركوه وتنفسوا الصعداء.
والشىء بالشىء يذكر، فإن من الأقوال المأثورة أيضًا، والتى يرددها العامة والخاصة ويحملونها حملًا ويرفعونه على الأحاديث: «إن أبغض الحلال عند الله الطلاق»، فهو ليس بحديث صحيح، وإن كان معناه صحيحًا، إلا أنه محمول ومرفوع على الحديث وهادٍ ومرشد لكل المسلمين حتى يبدأ به المشايخ مراسم الطلاق، آملين أن يتراجع الطرفان عن الانفصال حبًّا في رضا الله وخوفًا من غضبه ورجاء أن «يحلها الله من عنده» ماداما قد تجنبا غضبه، واقتربا منه بالرضا والمقسوم، وربما كان هذا من صالح الأعمال، إلا أن الأمانة تقتضى أن ننسب القول إلى صاحبه، ونحن هنا لا نبحث عن فائدة الطلاق من عدمه، إلا أننا لا نريد أن نُحمل الأحاديث بما يحملنا على الالتزام به، والرضوخ إليه، وعدم تخطيه، وعبوره إذا كان في هذا العبور مصلحة.
و«صوموا تَصِحُّوا» لا نشك لحظة أنه قد ألزم الكثير من الصائمين بالصوم، وربما كان الصائم يعانى تعبًا أو مرضًا ظنًّا منه أنه لو صام على تعبه أو مرضه صح من علة وبرئ من داء، «فلا يُروى عن النبى إلا الصدق»، فهو طب القلوب ودواؤها- وربكم أعلم بكم- بل إن معظم المشايخ يستندون إلى فضل الصوم وعلاجه للكثير من الأمراض كما يزعمون على هذا الحديث الضعيف.
والأحاديث في هذا الشأن كثيرة، ومنها «أول شهر رمضان رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار» قال عنه الألبانى: «حديث ضعيف جدًّا»، ومنهم من قال عنه إنه لا أصل له، حتى الشيخ الحوينى من المحدثين قال عنه: «حديث باطل». وهذا الحديث «رجب شهر الله، وشعبان شهرى، ورمضان شهر أمتى» حديث موضوع، قال بهذا الحافظ بن حجر والشوكانى وابن القيم. وحديث «كان النبى إذا أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، فتقبل منى إنك أنت السميع العليم» قال عنه ابن القيم الجوزية: «لا إثبات له»، وقال الحافظ بن حجر العسقلانى: «سنده واهٍ جدًّا»، وقال عنه الألبانى: «حديث ضعيف». أما هذا الحديث الذي أرّقنا وأخافنا، بل أغلق في وجوهنا الأبواب، وهو ليس بصحيح: «من أفطر يومًا في رمضان في غير رخصة ولا مرض، لم يقضِ عنه صوم الدهر كله، وإن صامه»، فهو حديث ضعيف، قال به «الدار قطنى والألبانى وابن باز».
أما عن دعاء «اللهم بلغنا رمضان»، فقد تناوله الناس على أنه دعاء عن النبى، «ص»، ومنهم مَن نسبه كحديث إلى النبى أيضًا، فقد ضعّفه ابن حجر العسقلانى، وقال النسائى عن راوى الحديث: «لا أدرى مَن هو» وقال ابن حبان «لا يُحْتَجّ به». أما عن حديث «لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنوا أن يكون رمضان السنة كلها»، فما بلغ شهر رمضان على الناس إلا وردده المشايخ على مسامعهم في اليوم مئات المرات على المنابر وقبل الصوم وبعده وعلى الشاشات والإذاعات، وهو حديث موضوع ومكذوب على النبى، قال عنه ابن حجر العسقلانى: «ضعيف جدًّا»، وقال عنه الشوكانى: «موضوع»، وقال عنه الألبانى: «موضوع».
والسؤال المهم: لماذا هذا الإصرار من المشايخ على العمل بالأحاديث الضعيفة والآحاد والموضوعة
«المكذوبة» وترديدها على مسامع الناس عن رسول الله، «ص»، وهم على علم بضعفها؟. وللإجابة، فإن هذا الأمر قد اختلفوا حوله، فمنهم مَن يرى العمل بهذه الأحاديث في صالح الأعمال فقط، ومنهم مَن يرى عدم العمل بها في صالح الأعمال أو سيئ الأعمال حتى لا يلتبس الأمر ويختلط على المسلمين. ونحن، والحمد لله، نسير على هدى مَن يكذب لرسول الله.. كل عام وأنتم بخير.. «الدولة المدنية هي الحل».
نقلا عن المصرى اليوم