محمود عابدين يكتب:
اليوم ( 5 أبريل 2024 ) يوفق عيد اليتيم، ويُحسب لمصرنا الحبيبة إيمانا منها بكلام المولى عز وجل ووصية الحبيب المصطفى – صل الله عليه وسلم – أنها خصصت ( حكومة ومجتمع مدني ) بداية 2003 يوما تحتفل فيه بـ "عيد اليتيم"، وهو أول "جمعة" في شهر أبريل من كل عام، ولأن الفكرة في حد ذاتها أكثر من رائعة على المستوى الإنساني والديني والاجتماعي، فقد لاقت استحسانا وقبولا وموافقة من مجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب في دورته الـ 26 وتم تعميمها عربيا بقرار رسمي عام 2006.
وفى عام 2007 وافق الأمين العام لجامعة الدول العربية على رعاية مؤتمر تحت عنوان "عيد اليتيم"، وكان مؤتمرا ناجحا بكل المقاييس، حيث احتشد فيه العديد من: الأثرياء، والمشاهير لزيارة الأيتام وإكرامهم، وسرعان ما تطورت الفكرة لتنتشر صداها عالميا، فدخلت الجمعية الأهلية المصرية التي تبنت هذه الفكرة موسوعة جينيس عام 2010 بعدما تجمع حوالي 5 آلاف طفل يتيم رافعين الأعلام المصرية لجذب انتباه العالم إلى احتياجاتهم تحت سفح الهرم، بمحافظة الجيزة في منظر مهيب نال تقدير العالم، وفي ذات العام، دخلت هذه الجمعية الخيرية موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية.
وزادت أعداد الأيتام المشاركين في هذا الاحتفال بشكل ملحوظ، وتحول الأمر إلى احتفال سنوي على مستوى كافة الهيئات والمؤسسات، وهو ما كان يأمله القائمون على الفكرة منذ بداية طرحها، فكان الهدف الرئيسي ليوم اليتيم هو التركيز على احتياجاته العاطفية، ولفت انتباه العالم له، ولاقت الفكرة دعمًا من الدولة والشخصيات العامة.
ولأن الشئ بالشئ يذكر، فينصح بعض أطباء الصحة النفسية، بأن يكون الاهتمام بالأيتام طوال العام وليس يومًا واحدًا فقط، ويؤكدون على ضرورة تخصيص أوقات لهم من جانب كل أسرة، وذلك لمتابعة أحوالهم ومساعدتهم نفسيا، لما لذلك من آثار إيجابية على المجتع ككل، وهناك بعض التصرفات التي يجب مراعاتها خلال الحفلات المخصصة في هذا اليوم، منها – بحسب المتخصصين - أن يقوم المتطوعون في الجمعيات الخيرية باحتضان اليتيم، الربت على كتفيه وتوفير الدعم النفسي له إن هو بكى، فضلا عن التحدث معه ببعض كلمات الاطمئنان لإزالة التوتر الذي يمكن أن يشعر به.
وعناك طرق عديدة لمساعدة اليتيم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: التبرع بالمستلزمات المدرسية، التبرع بالكتب المفيدة، لزيادة مستواهم الثقافي، سواء أكانت روايات أو كتب علمية، إضاقة إلى ذلك، مهم جدا زيارة دور الأيتام للجلوس واللعب معهم والتحدث اليهم حتى يشعروا بالسعادة والمرح، وشراء بعض الألعاب لهم وتوزيعها عليهم لتعويضهم عن حرمانهم من حنان الوالدين، ولا ننسى أن اندماجهم ولعبهم مع أقرانهم الأطفال الذين يتمتعون بنعمة وجود آبائهم وأمهاتهم يدخل السرور في قلوبهم، الأمر الذي ينتج عنه مجتمعا صحيا، ولنا في اهتمام الدولة واحتفالها واحتضانها بذوى الهمم المثل والقدوة.
في هذا السياق، لا يجب أيضا إغفال تكريم "الأرملة" في ذات اليوم الذي نحتفل فيه بـ"عيد اليتيم"، وهذا ما نأمله من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الأيام القادمة، استكمالا لجهوده المثمرة في مجال تكريم المرأة وذوى الهمم، وبذلك تكون مصر سباقة في هذه المجالات عن الدول المتقدمة بمؤسساتها وهيئاتها التي "صدعتنا" باتفاقياتها الدولية وكثرة إعلاناتها ومواثيقها عن حق الطفل الذي يقتل الآن بدم بارد في فلسطين الحبيبة على يد مرتزقة الاحتلال الصهيوني، باستثناء إعلان "جنيف" الذي نص – استحياء ربما - في مادته الثانية على وجوب إيواء وإنقاذ اليتامى، ولنا في رسول الله - صل الله عليه وسلم - المثل والأسوة والقدوة في اليتم حينما يخاطبه رب العزة قائلا:
-"أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى".. سورة الضحى:6-8.. حيث توفي أبوه عبد الله وهو - صل الله عليه وسلم - حمل في بطن أمه، وتوفيت أمه وهو في السابعة من عمره، وتوفي جده وهو في الثامنة من عمره، وكفله عمه أبو طالب، وما زال ينشأ حتى إذا بلغ أشده أوحى الله إليه.. وكلفه بهذه الرسالة العظمى.. التي أشرقت بها الأرض بعد ظلماتها.. كما جعل صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم مرافقا ومصاحبا له في الجنة..َ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ بِإِصْبَعَيْهُ : أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا".
ويكفي اليتامى أن إمام المرسلين نشأ يتيما، ولله در القائل: قَالُوا الْيَتِيمُ فَمَاجَ عِطْرُ قَصِيدَتِي.. وَتَلَفَّتَتْ كَلِمَاتُهَا تَعْظِيمًا.. وَسَمِعْتُ مِنْهَا حِكْمَةً أَزَلِيَّةً.. أَهْدَتْ إليَّ كِتَابَهَا الْمَرْقُومَا، حَسْبُ الْيَتِيمِ سَعَادَةً أَنَّ الَّذِي، نَشَرَ الْهُدى فِي النَّاسِ عَاشَ يَتِيمًا، وهذا أبو هريرة - رضي الله عنه - نشأ يتيما؛ وكان يرعى لقومه الغنم، حتى وفقه الله لصحبة النبي - صلى الله عليه وسلم- فكان راوية الإسلام، وهذا الزبير بن العوام - رضي الله عنه - الذي عده عمر بن الخطاب رضي الله عنه - بألف فارس، وليس له، إلا أمه صفية - رضي الله عنها - بعد وفاة والده وهو صغير.
وهذا إمام الدنيا محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - مات والده وهو دون العامين؛ فنشأ في حجر أمه في ضيق من الحال وقلة من العيش؛ فحفظ القرآن الكريم وجالس أهل العلم في صباه حتى ساد أهل زمانه.. وهذا تلميذ الإمام الشافعي أحمد بن حنبل -رحمهما الله- جميعا فقد توفي والده وهو في بطن أمه، وعاش في فقر وفاقة؛ فحضنته أمه وأحسن تربيته وتأدبيه؛ حتى أصبح عالما فذا، وحفظ الله به العباد في الفتنة، وختاما فهذا هو البخاري - رحمه الله - فقد نشأ يتيما وقرأ على ألف شيخ؛ حتى أصبح عمدة المحدثين في زمانه ومن جاء بعده إلى يوم القيامة.
ويحذرنا الخالق عز وجل من إهانة اليتيم بقوله:" َأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18).. سورة الفجر.. وقال :" فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9).. سورة الضحى.. كما أكد القرآن كذلك على حفظ حق اليتيم فقال تعالى :" وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82).. سورة الكهف.
وقال عز وجل:" أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) سورة الماعون.. كما أكد القرآن الكريم على إكرام اليتيم وجعله سبيلا إلى الفوز بالجنة.. قال تعالى:" وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12).. سورة الإنس.
وحتى نعى جيدا الخير الوفير الذي يناله كافل اليتيم، فيكفيه صحبة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في الجنّة، وكفى بذلك شرفا وفخرا.. ولكافل اليتيم صدقة يضاعف لها الأجر إن كانت على الأقرباء (أجر الصّدقة وأجر القرابة).. كما أن كفالة اليتيم والإنفاق عليه دليل طبع سليم وفطرة نقيّة.. كفالة اليتيم والمسح على رأسه وتطييب خاطره يرقّق القلب ويزيل عنه القسوة.. كفالة اليتيم تعود على الكافل بالخير الوفير في الدّنيا فضلا عن الآخرة.
كما أن كفالة اليتيم تساهم في بناء مجتمع سليم خال من الحقد والكراهيّة، وتسوده روح المحبّة والودّ.. في إكرام اليتيم والقيام بأمره إكرام لمن شارك رسول اللّه صلّ اللّه عليه وسلّم في صفة اليتم، وفي هذا دليل على محبّته صلّى اللّه عليه وسلّم.. كفالة اليتيم تزكي المال وتطهّره وتجعله نعم الصّاحب للمسلم.. كفالة اليتيم من الأخلاق الحميدة الّتي أقرّها الإسلام وامتدح أهلها.. كفالة اليتيم دليل على صلاح المرأة إذا مات زوجها فعالت أولادها وخيريّتها في الدّنيا وفوزها بالجنّة ومصاحبة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في الآخرة.. في كفالة اليتيم بركة تحلّ على الكافل وتزيد من رزقه .
تلخيصًا.. أتمنى من مشاهيرنا في: السياسة والفن والرياضة والعلم و... أن يكون لـ " اليتيم والأرملة " نصيبا في: اهتمامهم وأموالهم ووقتهم حتى نخفف عنهم معاناتهم وندخل عليهم البهجة والسعادة فنعوضهم بذلك عما يعانوه ويشعروا به من ناحية.. ومن الناحية الأخرى نزرع بداخلهم الأمل في غد أفضل.