د. وسيم السيسي
نجد فى سورة الذاريات آية 56: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، يحدثنا كوستى بندلى فى كتابه «مدخل إلى العقيدة المسيحية»: توج الله الخليقة بالإنسان، وليس هذا غريبًا، لأن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله، والغاية من الخلق هى سعادة الإنسان حتى يحيا ويسعد.
أما أبيقور، هذا الفيلسوف اليونانى، مؤسس مذهب المدرسة الأبيقورية، فمؤداه أن الغاية من الخلق هى السعادة، وأن العالم لم يخلق لغاية معينة من هذه الغايات التى نعرفها، ونزعم أن الأشياء قد خلقت لتحقيقها، ومن الكبرياء المسرفة أن يظن الإنسان أن الغاية من وجود هذا العالم هى الإنسان، وأن الطبيعة قد خلقت له، وسخرت لأجله.
يقول أبيقور: اللذة هى وحدها الخير الأسمى، والألم وحده هو الشر الأقصى، ويقصد باللذة التحرر من الألم والسلام الداخلى. أما لوكريس الشاعر والفيلسوف الرومانى فيقول: الأعضاء أوجدت غاياتها، مثلًا.. العين لم تخلق لغاية الرؤية، إنما أبصر الناس بالعين لأنها وجدت كذلك.
ماذا يقصد أبيقور ولوكريس بهذا الفكر؟.. يقصدان أن الغاية من الخلق ليست أنا أو أنت، وعلى هذا القياس ليس من حقك ذبح الشاة أو البقرة لأنهما وجدتا كما وجدت أنت.
أخذ بهذا المذهب أبوالعلاء المعرى، ولكنه لم يجهر به صراحة، ترك لنا فى كتابه «الفصول والغايات»: يقدر ربنا أن يجعل الإنسان ينظر بقدمه، ويسمع بيده، وتكون أصابعه مجارى دمعه، ويمشى إلى الغرض على هامته. ظاهر الأمر هو تمجيد الله، ولكن الحقيقة هو إنكار العلة الغائية «الغاية من الخلق» أى المذهب الأبيقورى، وقد أكد هذا صراحة فى شعره:
غدوت مريض العقل والدين فالقنى/ لتسمع أنباء الأمور الصحائح
فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالما/ ولا تبغ قوتًا من غريض الدبائح
ولا تفجعن الطير وهى غوافل/ بما وضعت فالظلم شر القبائح
آمن بهذا المذهب زرادشت، قدس البقرة، واغتسل أتباعه ببولها، كما آمن بهذا المذهب بوذا وحرم ذبح البقرة، كما اعتنق هذا المذهب جورج برنار دشو، ونقرأ فى كتابه «الإنسان والإنسان الأعلى» Man And Superman أن الإنسان الحالى إنما هو قنطرة للسوبرمان الذى سيفعل الخير لأنه خير لا طمعا فى جنة، ويبتعد عن الشر لأنه شر لا خوفًا من نار!، وفى كتابه «عودة إلى متوشالح» الذى مات عن عمر ٩٦٩ سنة!، كما جاء فى العهد القديم، يرى برنارد شو أن أعمارنا مقصوفة، وأننا يجب أن نعيش ٣٠٠ سنة حتى نسعد بحياتنا، وكأنه يعبر عما قاله عمرو بن أبى العلاء، حين جاء مصر وبدأ يسعد بها وبأهلها، وحضرته المنية بعد ستة أشهر، فقال وهو على فراش الموت:
لا إله إلا الله.. حينما عشنا.. متنا!!
أما إيرفنج أدلر فى كتابه كيف بدأت الحياة How Life Began، فيقول: نجحت المعامل فى استحداث الفيروسات ١٩٥٧م وكيف أنها تطورت إلى بكتيريا ثم إلى خلية واحدة ثم إلى كائنات عديدة الخلايا.. ثم.. ثم إلى الإنسان، الذى كان أول ظهور لهياكله العظمية منذ أربعة ملايين وأربعمائة ألف سنة «لوسى، آردى».
وجه العلماء الثلاثة: جوردانو برونو الذى أحرقوه حيًا، كربرنيكس «الذى مات قبل تنفيذ حكم الإعدام»، جاليليو الذى أقر أنه مخطئ وأن ما جاء بالتوراة صحيح، هؤلاء وجهوا ضربة قاصمة لظهر كبرياء البشرية بأن الأرض ليست مركز الكون، إنما هى حبة رمل فى هذا الكون اللانهائى، ثم جاء داروين، فوجه ضربة قاصمة أخرى لنشأة الإنسان، أخيرًا جاء الذكاء الاصطناعى A-I ليهدد الإنسان نفسه، على هؤلاء جميعًا، من ماتوا ومن هم على قيد الحياة أن يقولوا: هذا يا رب اجتهادنا:
إِلّا يَكُن ذَنبٌ فَعَدلُكَ واسِعٌ
أَو كانَ لى ذَنبٌ فَعَفوُكَ أَوسَعُ
نقلا عن المصري اليوم