د. سامح فوزى
فى خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى – عقب أداء اليمين الدستورية - وردت عبارة «مدركين أننا نتحدى أنفسنا»، وذلك فى معرض الحديث عن تحديات الواقع ومواجهة الصعاب. وأحد جوانب تحدى النفس، وربما أصعبها، هو تغيير النفس، وكما ذكر الطبيب النمساوى فيكتور فرانكل أن «التحدى الأكبر يكمن فى قدرتنا على تغيير أنفسنا». ويعنى تغيير النفس – ببساطة - تغيير الفكر، والنظرة، والطريقة التى نتعامل بها مع الحياة.

منذ أيام جمعنى حوار رمضانى مع عدد من الأصدقاء، وأشار أحدهم إلى تجربته فى تغيير أساليب العمل فى الجهة التى يعمل بها، ورغم أن لديه دعمًا من قياداته، إلا أنه يواجه صعوبات لإقناع الناس بجدوى التغيير. البعض يستجيب، والبعض يقاوم. ويمثل ذلك صورة مصغرة لحالة أكبر، وهى مقاومة التغيير أى رفض تحدى النفس، وتفضيل ما هو قائم.

هناك من يقاوم فى صخب، أى يرفض، ويتحدى، ويشاكس. وقد يتجه إلى إطلاق شائعات ودعاية حمقاء على غايات التغيير، ومضمونه، والأشخاص الداعين إليه. وكم من شخصيات كان لديها فكر ورغبة وحماس فى إحداث تغيير للأفضل خرجت من الساحة نتيجة حملات الاستهداف التى لحقت بها، واضطرت إلى التنازل عن مشروعها بسبب عدم قدرتها على الاحتمال، وتخلى قياداتها عنها فى منتصف الطريق.

وهناك من يقاوم فى صمت، أى يسمع ولا ينفذ. يُظهر نفاقًا فى الظاهر، ومقاومة فى الباطن. وأظن أن هؤلاء الأفراد هم الأكثر خطورة، لأنهم يُظهرون خلاف ما يبطنون، ويتصور دعاة التغيير أن هؤلاء يقفون إلى جوارهم فى حين أنهم يناصبونهم العداء. ويتبنى هؤلاء الاشخاص فى مقاومة التغيير مسلكا مخادعًا يتمثل فى إظهار الولاء للقيادات، وادعاء الامتثال الكامل للتوجيهات، ولكن دون أن يفعلوا شيئًا فى اتجاه التغيير، بل يحافظون بكل السبل على الأوضاع القائمة، تارة بالتعلل بضعف الامكانات، وتارة أخرى بافتعال الأزمات.

وهناك من يرى فى التغيير مجرد تحديث شكلى، بينما يظل المضمون عتيقًا. نراه فى مؤسسات كثيرة حولنا، ظاهرها الحداثة فى البناء، والمظهر الخارجى البراق، ولكن نمط الإدارة السائد بها يجسد قيمًا بالية مثل النفعية والمحاباة، والعزوة، والشللية، وغيرها.

وهناك من ليس لديهم موقف، يسايرون دعاة التغيير حين يصب فى مصلحتهم، ويقاومون التغيير حين يكون ضد مآربهم. ولعل ذلك هو سبب عدم استدامة إدارة التغيير، وتبدل الأحوال، وكم من مبادرات واعدة ظهرت ثم تلاشت نظرا لتغير أمزجة الأشخاص، واختلاف نظرتهم لمصالحهم.

وهناك من يتحمسون للتغيير، لكنهم يعيدون توظيفه لصالحهم، لا هم مؤيدون ولا هم مقاومون، لكنهم انتهازيون مستفيدون. الأمثلة كثيرة على ذلك. فى كل منظومة جديدة، نجد هناك من يخرقها، ويستفيد منها. والسبب أن الأفراد لا يزالون يسيطرون على النظم واللوائح، ويجيدون التكيف معها، ويستغلون ما بها من ثغرات. هذه بعض الأساليب التى يلجأ إليها الرافضون لتحدى أنفسهم، أى التغيير إلى الأفضل، ويظنون أن بقاء الحال أفضل بالنسبة لهم، ويقاومون ويشوهون محاولات التغيير. ولا يعنى ذلك أن نوافذ التغيير مغلقة، فلا يزال المجتمع ينبض بحيوية تعبر عن نفسها، ولديه الحس النقدى، والرغبة فى الحياة الأفضل. والدليل على ذلك، ما نراه من مبادرات تنموية ومدن جديدة ذكية، وطفرة فى رقمنة الإدارة، وبنية أساسية متطورة، وتجارب جديدة فى العمل الأهلى تمزج بين المواطنة والوعى والتنمية، وظهور أجيال من الشباب لديها رؤيتها التى تعبر عنها، حتى وإن ساد أحاديثها على الفضاء الالكترونى حدة فى بعض الأحيان، لكنها تعبر عن رغبة داخلية فى أن تكون مصر فى مكانة أفضل.قد يختلف الناس حول ما يجب عمله لكنهم لا يختلفون على مراميه، وهو أن تكون البلد فى مصاف الدول المتقدمة.

وبالرغم من ذلك فإن «تحدى النفس» – الذى ورد فى خطاب الرئيس السيسي- يتطلب الكثير أبرزه تكوين تربوى وتعليمى للنشء على مواجهة الحياة بكل تعقيداتها، وتفعيل مشاركة كل فئات المجتمع حتى يشعروا بالتجربة وتحدياتها وثمارها، والمضى بجدية على طريق التغيير، ودعم أصحاب المشروعات المبدعة، وإصلاح المؤسسات، وتمكين قيادات طموحة، واسعة الرؤية، لديها طاقة العمل، ولا تعانى من أمراض الإدارة المتوارثة من الغيرة والتحزب، والرغبة فى البقاء على كراسيها، وإزاحة الموهوبين، والاهتمام بصورتها الإعلامية حتى لو كانت بلا إنجاز حقيقي. فإذا أردنا أن نسير على درب التغيير، لابد أن يكون «تحدى النفس» هدفًا لكل من يتولى موقعًا عامًا، نكافئ من يمضى فيه، وننحى من لا يؤمن به حتى لا نترك أعداء التغيير فى قلب مبادرات التغيير.
نقلا عن الأهرام