فاطمة ناعوت

هذا عيدُ الفطر المبارك، أعاده اللهُ علينا، ومصرُ فى المكانة التى تليقُ باسمها العريق المكتوب بحروف النور فى أولى صفحات كتاب التاريخ. انتهت أيامُ شهر رمضان الذى نذرتُ مقالاتى فيه لـ«دفتر المحبة» التى لا تسقط أبدًا، وحكيتُ خلالها روائعَ من قصص من الواقع تؤكدُ أن الإنسانية والمحبة هى ملاذنا الآمن ضد الفتن وحصننا الحصين ضد النوازل والمحن. انتهت أيامُ الشهر ولم تنته القصص وذكريات القراء التى تصلنى كل يوم من شتى بقاع الأرض.

 

واليومَ، فى صباح العيد، دعونى أديرُ معكم أغنية: «غنيتُ مكةَ» التى تُلخصُ «رسالة المحبة والتنوير» التى يحاولُ تكريسَها المصلحون والفنانون والمثقفون والشرفاءُ عبر الزمان والمكان. تصوروا أغنيةً إسلامية عن مكّة المكرمة والكعبة المشرّفة والحج والحجيج والقرآن الكريم ومشاهد الركوع والسجود والتهجد وجميع طقوس أعيادنا الإسلامية، تصوروا أن أغنية حاشدة بكل ما سبق، كتبها ولحّنها وعزف موسيقاها وشدا بها.. «مسيحيون»! تصوروا! هذا هو «الكود الأخلاقى» الرفيع الذى ننشده ونصبو إليه فى رسالة التنوير.

 

تلك القصيدة الخالدة «غنيّتُ مكةَ» كتبها الشاعرُ اللبنانى الكبير: «سعيد عقل»، ولحّنها عبقريا الفن الفيروزى- الرحبانى: «عاصى ومنصور رحبانى»، وعزفها أوركسترا وكورالُ الرحابنة، وغنّتها فيروزةُ الكوكب «نهاد حدّاد» أو الجميلة الآسرة: «فيروز»، «جارة القمر» الآسرة، وجميعُ مَن سبقت أسماؤهم «مسيحيون» من شرفاء الفن وعباقرة الإبداع، أحبّوا الَله فأحببهم اللهُ فى جميع خلق اللهِ، مهما اختلفت عقائدهم.

 

اقرأوا معى كلماتِ تلك القصيدة الرائقة الرائعة، وأنتم تنصتون إلى الأغنية بصوت فيروز، ثم اندهشوا: (غنيتُ مكة أهلها الصيدا/ والعيدُ يملأ أضلُعى عيدا/ فرحوا فلألأ تحت كلِّ سمًا/ بيتٌ على بيتِ الهُدى زِيدا/ وعلى اسم ربِّ العالمين/ علا بُنيانُهم كالشَّهبِ ممدودا/ يا قارئَ القرآنِ صَلِّ لهم/ أهلى هناك وطَيِّبِ البِيدا/ مَن راكعٌ ويداه آنستا/ أنْ ليس يبقى البابُ موصودا/ أنا أينما صلّى الأنامُ/ رأتْ عينى السماءَ تفتحت جودا/ لو رملةٌ هتفتْ بمبدعها شجوًا/ لكنتُ لشجوها عودا/ ضجَّ الحجيجُ هناك فاشتبكى بفمى هنا يا وُرْق تغريدا/ وأعزَّ ربّى الناسَ كلَّهمُ/ بيضًا فلا فرّقتَ أو سُودا/ لا قَفرةٌ إلا وتُخصبُها/ إلا ويُعطَى العطرَ لا عودا/ الأرضُ ربى وردةٌ وُعِدَت بكَ أنت تقطفُ/ فاروِ موعودا/ وجمالُ وجهِك لا يزالُ رجًا يُرجى/ وكلُّ سواهُ مردودا.)

 

كلما سمعتُ تلك الأغنية العذبة، أتأكدُ أن الفنانَ الحقَّ إصلاحىُّ قادرٌ على صياغة المجتمع على النحو الصِّحى، المُنقَّى من الأدران العنصرية. وأتأكدُّ أن القوى الناعمة قادرةٌ على النهوض بالبشر فكريًّا وأخلاقيًّا. الفنّان «الحقيقى» يقدّمُ الفنَّ مضفورًا بالحق والخير والجمال، وتلك هى رسالة التنوير.

 

تتفرّقُ بنا السُّبلُ: عقائدَ وطوائفَ ومذاهبَ ونِحلاً ومِللا، أحزابًا وتكتلاتٍ وشِيعًا وجبهاتٍ، أغنياءَ وفقراء، يمينًا ويسارًا، وبيضًا وسودًا وصُفرًا، أقرباءَ وغرباء، أكثريات وأقليات، مواطنين ووافدين ولاجئين، رجالا ونساءً، مثقفون وأميّون، وقد يذهب بنا تعارضُ المصالح نحو حروبٍ ومعاركَ خاسرة لجميع أطرافها… وفى الأخير، لا يجمعُ شتاتنا تحت مِظلّة الإنسانية، إلا «الضميرُ الإنسانى»، وروحُ الفنّ الرفيع.

 

بعد انتهاء شهر الصوم الفضيل، أهديكم فى «عيد الفطر المبارك» أغنيةً شدا بها صوتٌ مسيحىُّ آخرُ جميلٌ هو عظيمُ الغناء: «وديع الصافى» يغنى لشهر رمضان شاديًا: «شهرنا السمحُ قد بدا/ خيّرًا يغدقُ الندى/ يمنحُ الطِيبَ والسنا/ يرسلُ النورَ والهدى/ يسعدُ المؤمنَ الذى/ نالَ بالصومِ مقصدا».

 

التمسُّك بحبل الإنسانية، هو جوهرُ الإيمان بالله، وهو السُّلَّم المتين الذى ترتقى به الأوطانُ على دَرَج النهوض والتقدم. بينما نصالُ الشتات والحروب والتناحر الطائفى والسياسى تنخرُ كما السوس فى جسد الإنسانية والأوطان حتى تتهاوى المجتمعات وتموت. لهذا حرص الرئيس «السيسى» منذ توليه الحكم عام ٢٠١٤ على تكريس مبادئ المواطنة وإخماد نيران الفتن، لأنه يدركُ أن تلك هى اللبنةُ الأولى التى بها يُشيّدُ «الجمهورية الجديدة» على أسس حضارية محترمة وراقية. «عيد فطر» مبارك وآمن ورغدٌ على مصر والعالم، وكل عام ومصرُ بهيةٌ مشرقة تثبُ نحو النور بخطى رشيقة واسعة.

من نُثار خواطرى:

وعدتْنى الشمسُ

أن تهجُرَ الأرضَ البعيدةَ

وتجمعَ أطفالَها الأشِعّةَ

شعاعًا شعاعًا

وتلملمَ وجوهَها المنثورةَ

فى كواكبِ اللهْ

ثم تتكاثفَ

فى شعاعٍٍ واحدٍ

ساطعٍ

كأنّهُ الكوكبُ الدُّريّ

وتدخلَ غرفتى

يومَ العيد

ثم تدخلَ قلبى.

نقلا عن المصرى اليوم