سمير مرقص
(1)«الجدة صفصافة: صانعة حياة»؛
اختارت الدكتورة عواطف عبد الرحمن اسم «صفصافة الصعيد» عنوانا لسيرتها الذاتية. أفصحت صاحبة السيرة عن سر اختيارها لاسم «صفصافة» بأنه يعود إلى أن جدتها كانت تحمل نفس الاسم تقديرا لمعاناتها الحياتية: الشخصية، ومن أجل الآخرين. لذا أهدتها الدكتورة «عواطف» كتاب سيرتها بكلمات دالة للغاية: «أهدى هذا العمل إلى جدتى الكفيفة صفصافة بديوى التى لم يبتسم لها الزمن كما ابتسم للآخرين، ولم يعاملها الدهر بما تستحق». لم تكن جدتها مباشرة بل شقيقة جدة الدكتورة عواطف، وكانت بالنسبة لها «مصدر الحنان الكامل والمرجعية الوحيدة» لها. وبالرغم من قسوة الزمن وتجهمه فى وجه «صفصافة» إلا أنها ظلت تقوم بمهامها الحياتية إلى الدرجة التى وصفتها فيها الدكتورة «عواطف» بأنها كانت مهام «صانعة حياة»، بالرغم من جسامة المعاناة، وأنها، إضافة إلى أمها قد: «شكلتا وجدانها الإنسانى والوطنى، ورسختا انتماءها للصعيد ولفقراء الوطن ومستضعفيه من النساء والرجال». وتفسر الدكتورة «عواطف عبد الرحمن» الدور الذى لعبته كل من الجدة (صفصافة)، والأم (بهية فهمى) فى حياتها بقولها: «لقد استلهمت من جدتى الكفيفة، الإيمان بالقدر والاعتماد على النفس فى مواجهة الحياة التى لم تمنحها ما تستحقه، وتعلمت من أمى الإيمان بالعلم والصبر والمثابرة فى مواجهة الظروف الصعبة التى حاصرتنا بعد طلاقها».
(2) «صفصافة: التجذر الراسخ والنمو المثمر»؛
تعكس السيرة الذاتية للدكتورة عواطف عبد الرحمن «كيف أنها تمثلت صفات شجرة «الصفصافة» فى حياتها. جذرها راسخ فى الصعيد ينهل من مياه النيل مباشرة، ومن ثم تنمو وتنتقل من مرحلة إلى مرحلة فتزداد رسوخا وقدرة وفائدة وبهاءً لمن حولها. أخذا فى الاعتبار أن شجرة «الصفصاف» بحسب الدارسين «ذاتية العناية». بلغة أخرى، كانت عواطف عبد الرحمن تجليا نقيا للصفصافة فى كل مراحل حياتها: الصحفية، والأكاديمية، والسياسية، والتنموية/ الاجتماعية. فلم تنس يوما جذورها بحلوها ومرها من جهة، كما كان نموها تراكميا وطبيعيا وتشابكيا ومقاوما، ويقينا، كان مثمرا. لذا لم تنس فداحة الفروقات الاجتماعية والجنسية والطبقية فى الريف المصرى. ووضعية المرأة وما تتعرض له من غبن وقهر فى مجتمعنا عبر وقائع وشخصيات حقيقية من لحم ودم من خلال: حواديت الجدة «صفصافة»، و«الوقائع الأسرية»، و«الحياة المدرسية والاجتماعية»؛ فرصدت الكثير من الإشكاليات المؤلمة الاجتماعية والنسوية مثل: «ميراث البنت/ المرأة»، و«ختان الإناث»، و«الزواج المبكر»، و«فقر النساء وتداعياته»، و«الفقر عموما وما يترتب عليه من انحسار للفرص أمام الفقراء»، و«الحرمان من التعليم»، و«زواج الأقارب»،...، إلخ. دونت تلك اللقطات المكثفة فى قسم أول تحت عنوان: «المسكوت عنه فى صعيد مصر»؛ من محصلة الذاكرة التى ظلت حية، بالرغم من مرور وقت طويل عليها، وزيارات الدكتورة «عواطف» ونشاطاتها التنموية والاجتماعية لمقر النشأة لاحقا كذلك تجربتها الانتخابية فى 1984. تعرفنا من خلال هذه اللقطات على نماذج إنسانية مصرية حية تعكس مدى تعقد وصعوبة الحياة فى صعيد مصر مثل: «صنصف»، و«ضوية»، و«الحاجة حميدة»، وغيرهن. كما رسمت فى القسم الثانى من «صفصافة» وصفا تفصيليا للقرية المصرية فى الأربعينيات من حيث: خريطة الأرض الزراعية، والتراتبية الطبقية والعرقية، والعلاقة بين الأقباط والمسلمين، وتفاصيل الحياة اليومية للأهالى، وملامح السوق والسويقة فى القرية وما يحدث فيه من ممارسات، والأفراح فى القرية، والأحزان والجنازات فى القرية،.. وقد ألحقت صاحبة السيرة الذاتية هوامش شارحة لكثير مما سردته حول قريتها/ الصعيد/ الريف للقارئ المدينى وللنخبة. أما القسم الثالث المعنون «جذور العائلة»، فكتبت الدكتورة «عواطف» بكل شفافية عن أسرتى أمها وأبيها، وأفردت حديثا خاصا عن الأم «بهية»، والجدة «صفصافة». وفى قسم رابع تحدثت الدكتورة «عواطف عبد الرحمن» عن «نزوحها إلى المدينة»، ثم فى قسم خامس تحدثت عن جامعة القاهرة: كطالبة أولا فأكاديمية لاحقا. وفى القسم السادس ضمنته شهادات رفاق المسيرة الأكاديمية. وأخيرا فى الأقسام: السابع، والثامن والتاسع، على التوالى، تحدثت عن اعتقالها فى 1981، والانتخابات البرلمانية فى 1984، وعن أسفارها حول العالم وحواراتها.
(3) «صفصافة: أكثر من سيرة ذاتية»؛
نحن أمام «صفصافة» حية معمرة لم تزل نضرة حملت ولم تزل الكثير، منذ أن كانت نبتة وحتى امتدت بأغصانها، وفروعها، وأوراقها الزاهية، والمورقة. خلاصتها ما كتبته صاحبة الصفصافة: «تعلمت من تجربتى الشخصية واختياراتى،.. أن الحياة خدعة جميلة، نحياها بحماس لا يخلو من الخوف والتوتر، ولا يحميها من الضجر والسأم سوى الوعى بحقيقة النفس البشرية، التى تتأرجح ما بين الرغبة والقدرة والصراع من أجل إثبات الوجود والعجز عن تحقيقه، وأن الضعف البشرى سمة أصيلة لا يفلت منها أحد. وقد أدركت من تأمل حياة.. معظمنا.. أننا أسرى للموروثات والتقاليد الجائرة، وأن حياة الإنسان ليست سوى ثمرة لظروف عصره وموروثات مجتمعه». تحية للدكتورة عواطف عبد الرحمن.
نقلا عن المصرى اليوم