القمص يوحنا نصيف
    في إحدى المرّات تحدَّث الربّ يسوع مع تلاميذه عن العثرات؛ وقال أنّها ستأتي بالتأكيد، ولكن وَيلٌ للإنسان الذي ستكون العثرة بواسطته؛ فخيرٌ له أن يُعاقَبَ بإغراقه في البحر، مِن أنْ يَتَسَبَّب في تَعَثُّر أحد الصغار الضعفاء.. وبعد ذلك يقول: "وإن أخطأ إليك أخوك فوبِّخْهُ، وإن تاب فاغفر له" (لو17: 1-3).

    يُعَلِّق القدّيس كيرلّس الكبير على هذه الكلمات، فيقول:
    + ما هي العثرات التي يقول عنها المسيح أنّها ستحدُث بالتأكيد؟
    + العثرات نوعان؛ بعض العثرات هي ضدّ مجد (الله) الكائن الأعلى.. بينما عثرات أخرى تحدُث بين الحين والآخَر ضِدّ أنفسِنا، ولا تتعَدَّى أن تكون إيذاءً لبعض الإخوة، الذين هُم شُرَكاؤنا في الإيمان.

    + الهرطقات.. تُقاوِم مجدَ الألوهة الفائقة، باجتذابِها أولئك الذين يسقطون فيها، بعيدًا عن استقامة العقائد المُقَدَّسة وسلامتها.. العثرات من هذا النوع، التي يُسَبِّبها الهراطِقة عديمي التقوى، ليست موَجَّهةً ضدّ فردٍ واحِد، بل هي مُوَجَّهة بالأكثر ضدّ العالم كلّه.. والمُخَلِّص قد جعل عقوبةً مُرّة على مَن يَضعون مثل هذه المَعَاثِر في طريق الناس.

    + ربّما لا تكون هذه هي العثرات التي يُشار إليها هُنا، بل بالحري هي تلك العثرات التي تحدُث كثيرًا بسبب الضعف البشري بين الأصدقاء والإخوة؛ وهذا الحديث الذي يَتبَع هذه الملاحظات الافتتاحيّة مباشرةً، والذي يتحدّث عن غفرانِنا للإخوة عندما يُخطِئون إلينا، يقودُنا إلى تلك الفكرة، بأنّ هذه هي العثرات المقصودة هُنا.

    + إذن فما هي هذه العثرات؟ أنا أعتقد أنّها أفعال خسيسة ومُزعِجة، مثل نوبات غضب سواء كانت لسبب ما أَم كانت بلا مُبَرِّر، إهانات، اغتيابات كثيرة، وعثرات كثيرة أخرى قريبة أو مُشابِهة لها.

    + الربّ يقول إنّ مِثل هذه العثرات لابدّ أن تأتي، فهل تأتي إذَن لأنّ الله -الذي يضبط الكلّ- يُجبِر الناس على ارتكاب هذه العثرات؟ حاشا لله أن يَصدُر مِنه شيء شرّير، بل بالأحرى فهو ينبوع كلّ فضيلة، فلماذا إذَن يتحتّم أن تأتي؟ واضح أنّه بسبب عجزِنا، كما هو مكتوبٌ: "لأنّنا في أشياءٍ كثيرة نَعثُر جميعًا" (يع3: 2). وبالرغم من هذا، فهو يقول: ويلٌ للإنسان الذي يَضَع أحجارَ عثرةٍ في الطريق، فالربُّ لا يترك عدم المبالاة في هذه الأمور بدون توبيخ، بل هو بالأحرى يكبحه بواسطة الخوف من العقوبة؛ ورغم ذلك فهو يوصينا أن نحتمل الذين يُسَبِّبونها، بصبرٍ.

    + يجب ألاّ نُظهِر أنفسنا ناقصين في المحبّة المُتبادَلة، ونُهمِل الاحتمال. فكلّنا ضعفاء، ونُخطئ مِرارًا وتكرارًا، لذلك يجب بالأَحرى أن نتشبّه بأولئك الذين يشتغِلون بمعالجة أمراضِنا الجسديّة؛ فهؤلاء لا يَعتَنون بالمريض مرّة واحِدة فقط ولا مرّتَين، بل بعدد المرّات التي يمرَض فيها.

    + فلنذكُر أنّنا نحن أيضًا عُرضة للضعفات، وأنّنا نَنْغَلِب من شهواتنا.. لذلك فَمِن واجبنا -إذ لنا شعور عام فيما بيننا بضعفاتنا المشترَكة- أن "نحمل أثقال بعضنا البعض، وهكذا نتمّم ناموس المسيح" (غل6: 2).

 [عن تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلّس السكندري (من العظات 113-116) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]
القمص يوحنا نصيف