كتب - محرر الاقباط متحدون
القديسة مريم المصرية .. استعرض نيافة الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا للروم الأرثوذكس، والمتحدث باسم الكنيسة في مصر، سيرة حياة القديسة مريم المصرية، في رسالة بعنوان "مغارة القديسة مريم المصرية في برية الأردن" .
وُلدت مريم في الإسكندريّة نحو عام 345م من أبوين مسيحيين . ولما بلغت الثانية عشر من عمرها أسلمت نفسها للدعارة وعاشت حياة إباحيّة عارمة.
سافرت مريم إلى أورشليم، مع مجموعة من الحجاج الذاهبين إلى أورشليم لعيد رفع الصليب المحيي.
ولما حل اليوم المقدس لرفع الصليب، لاحظت مريم أن الجميع يتسارعون إلى الكنيسة فانضمت إليهم. فلما دنت ساعة رفع الصليب المقدس حاولت أن تشق طريقها عبر أبواب الكنيسة إلى الداخل كبقية الناس.
وبصعوبة تمكنت من حشر نفسها بينهم حيث كادت أن تبلغ مدخل الكنيسة من حيث كان عود الصليب المحيي يبان للعيون. لكن ما إن وطئت عتبة الباب حتى شعرت بقوّة حالت دون دخولها، بينما كان الكل يدخلون إلا هي. حاولت الدخول من جديد لكن عبثًا.
أخذت تبكي وتنتحب وتتنهد من أعماق قلبها. وإذ رفعت رأسها قليلًا، وقع نظرها على أيقونة والدة الإله الكلية القداسة. فتحولت إليها متضرعة أن ينفتح مدخل الكنيسة أمامها لتعاين عود الصليب الكريم وأنها غير المستحقة لن تدنس جسدها، بعد اليوم، بدنس الدعارة، بل حالما تسجد لعود الصليب ستتوجه إلى حيث تقودها. واتجهت من جديد للدخول إلى الكنيسة، فتقدمت إلى الأبواب التي لم تتمكن من بلوغها قبل ذلك. دخلت دون صعوبة وعاينت العود المحيي.
بعد ذلك تركت رواق الكنيسة في أورشليم وذهبت إلى كنيسة السابق يوحنّا المعمدان التي على الأردن تناولت القربان المقدَّس. ومن ثمَّ انطلقت إلى برية الأردن لتقضي بقية حياتها. بعد ذلك أسلمت مشيئتها للسيدة العذراء التي كانت تقودها وتقويها في كل خطوة تخطوها.
أمضت مريم ثمانية وأربعين عامًا في البرية عائشة حياة التوبة، وظللتها نعمة الله وسكنها الروح القدس.
كانت خلالها تقتات من بعض البقول الذي قلما كانت تجده في البرية، وشرابها القليل من الماء. أما لباسها فالعراء، إذ لم يكن لديها ما تلبسه. كانت الشمس تحرقها في النهار، والبرد يهلكها في الليل إلى أن صارت بشرتها سوداء داكنة من كثرة الحر والبرد.
مرت السنوات ومريم في البرية حين التقى بها الأب الراهب الشيخ زوسيما من أحد أديرة فلسطين، وطلبت منه أن يأتيها يوم الخميس العظيم في السنة التالية بجسد الرب ودمه الإلهيين، ففعل، وتناولت للمرة الاولى من بعد زمان طويل انقطعت فيه عن المناولة الإلهية، وطلبت ان يأتيها في السنة المقبلة أيضًا في الخميس العظيم بالقرابين المقدسة. ذلك بعد أن عرَّفته بنفسها إثر إصراره على ذلك.
يوم الخميس العظيم المقدس للسنة التالية. خرج الأب زوسيما بالقرابين المقدسة إلى حيث طلبت قديسة الله أن يلتقيها على ضفة نهر الأردن فناولها. ومن ثمَّ فارقها على موعد في نفس الوقت والمكان من السنة القادمة. كل هذا، ولم يخبر زوسيما أحدًا.
انقضت السنة، وتوجه زوسيما إلى البرية، وإذ بلغ الموضع الذي أتى إليه أولاً لم يرى ما يشير إلى وجود أحد. وإذ التفت إلى الضفة الأخرى، نحو الشمس الشارقة، رأى القديسة ممددة ميّتة. كانت يداها مصلبتين على صدرها على حسب العادة المألوفة في ذلك الزمان، ووجهها نحو الشرق.
هرول زوسيما باتجاهها بكى عند قدميها وقبلهما. وإذ به يرى كلمات خطَّت على الأرض بجانب رأسها: "أيها الأب زوسيما، واري في التراب جسد مريم الوضيعة. أعد إلى الرماد ما هو رماد وصل إلى الرب من أجل التي ارتحلت في شهر فرموتين المصري الموافق نيسان لدى الرومان، في اليوم الأول، ليلة آلام ربنا عينها، بعدما أخذت الأسرار الإلهية".
حفر الأب زوسيما قبرًا للقديسة بمعونة أسد كان بقربها يحرسها وواراها التراب، كما شاءت وعاد إلى ديره، لتكن صلواتها معنا بشفاعة والدة الإله.