عادل نعمان
ومع الاعتذار «للصب تفضحه عيونه»، العشق تفضحه عيون العشاق، فإن الكذب تفضحه عيون مَن أملى ومَن كتب، ومَن أبطن الصدق ومَن أبطن الكذب، فلم أجد مشهدًا عبقريًّا عرّى وكشف ستر الاختلاق والتدليس والافتراء على الله، كما صوره ثنائى الحشاشين «حسن الصباح وتابعه برزق» حين هَمَّ كل منهما باستنطاق صاحبه على ما يُظهره أولهما من التضليل، وما يُبطنه ثانيهما من التكذيب، في مشهد المواجهة بين «حسن الصباح»، الشاهد الأوحد على إمامة وملائكية ابنه «المهدى»، وتابعه «برزق» المخادع، حين جاء يبشر سيده «حسن الصباح» بعلو مكانة الهادى وترقيه إلى السماء، تحفه الملائكة في صعوده إلى العلا، تُخفيه عن أعين الجن والشياطين في سرداب إلهى حتى ظهوره المرتقب، منقذًا وهاديًا ونصيرًا، يقيم ميزان العدل بين البشر ويحملهم إلى جنات عرضها السماوات والأرض، وهو قتيله وصريعه كما يبدو، ولسان حال الصباح يقول «انقلب السحر على الساحر»، أما برزق فإن لسان عينه يقول: «كذب الساحر وصدق المسحور».
ولا أتصور إلا أن يكون أمر الكذب والتدليس هذا موضوعًا عن الأتقياء والأولياء والصالحين لمصلحة ومغنم ومكسب للتابعين، فإن التدجيل والتزوير يصبحان حقيقة وصدقًا عند الأتباع والمريدين والمنتسبين، وترفعهما الأجيال المتعاقبة إلى مراتب التقديس والإيمان، ومَن سلم منهما فإنه يدعهما وشأنهما على ألسنة العامة، فلا يقترب منهما ولا يبتعد عنهما. إلا أن للمعتزلة شأنًا آخر في هذه الكرامات «خوارق العادات»، فهم لا ينكرون معجزات الأنبياء، بل ينكرون كل الخوارق وكرامات الأولياء، مخافة اختلاطها بمعجزة الأنبياء، فتفقد معجزات الأنبياء دلالاتها وقوتها وصدقها، هذا عند المعتزلة القدامى، أما المعتزلة المحدثون «العقلانيون» فهم ينكرون كل ما يخالف العقل سواء عن نبى أو ملك أو ولى، ويعتبرون ما جاء به الرسول عن الله هو القرآن الذي بين أيدينا الآن، معجزة الله في خلقه، والأشاعرة يقرون بكل أنواع الخوارق والكرامات للأنبياء والأولياء. يقول الجوينى: «فالذى صار إليه أهل الحق جواز انخراق العادات في حق الأولياء، وأطبقت المعتزلة على منع ذلك»، وأطبق أي أغلق، «ومعناها أنكرها».
أما عن الصوفية فإن الأمر مستفحل أكبر ما يكون الاستفحال، أغرقوا الكرامات في بحور الخرافات والأباطيل، وخالفوا العقل مخالفات جسيمة تحت عناوين شتى، منها الكشف والإلهام والتجلى والترقى، فكل مؤمن تقى هو ولى الله، والأنبياء أتقياء وسادتهم، والولاية مرتبة من مراتب القرب من الله، ومَن اقترب بلغ الغاية وخضع له الكون وقوانينه، وجرَت على يديه الكرامات والخوارق، وتجول في ملكوت الله دون حاجز أو مانع، فلا تقف معجزة «الهادى نجل الصباح»، الذي رُفع إلى السماء لحظة للمراجعة عند أهل التصوف، إلا لأنها عن مذهب من مذاهب أهل الشيعة، غير هذا فإنها صادقة ومصدقة ومثبتة دون برهان أو دليل. خذ بعضها: في جامع كرامات النبهانى أن «مجذوبًا» من أولياء الله تبعته جماعة من الصبيان، يستهزئون به ويتضاحكون عليه، فلما ضاق بهم، نادى ملك الموت، وهدده وقال له يا عزرائيل: إن لم تقبض أرواحهم لأعزلنك من ديوان الملائكة!!، قال: فأصبحوا موتى جميعهم. ومن نفس الجامع للنبهانى: أن أحد الأولياء مكث أربعين سنة لا يأكل ولا يشرب ولم يدخل حمامًا قط. أما هذا الولى في نفس كتاب الجامع، فقد توضأ ونام أربعين سنة، ثم نهض وصلى على وضوئه، والحكايات والخوارق كثيرة تتوارى خجلًا أمام هذا «الهادى» بن الصباح.
وتظل الكرامات والخوارق والمعجزات حبيسة التاريخ والكتب، لم تصادف تاريخنا الحديث منها كرامة واحدة أو خارقة نتشبث بها ونستدل عليها ونتباهى بها، اللهم إلا ما نسمعه ونقرؤه من المرويات والإخباريات، من أهل الشيعة وأهل السنة على السواء، والتى لا ترتقى للعقل ولا تصل إلى ركبتيه، ولسنا بمطالَبين بالتصديق أو الإقرار، وليس من حق أحد أن يخترق عقولنا ويبث فيها أحاديث الإفك هذه، كهذا الولى الذي كان يراسل ويضاجع زوجته من مسافة ألف وثمانمائة كيلومتر، وكانت تحبل، حتى لو كان الراوى وليًّا منقولًا عن ألف ولى.
وتظل لعبة حسن الصباح، حامل مفتاح الجنة، وسيد الحشاشين اليوم وغدًا، أكذوبة سياسية، وستظل هذه الكرامات وهذه الخوارق أكاذيب واختلاقات وافتراءات على الله لخدمة مصالحهم والوصول إلى الحكم وتغييب عقل الأمة قديمهم وحديثهم سنى وشيعى، وهابى وسلفى وإخوانى، وهم جميعًا في واحد.. «الدولة المدنية هي الحل».
نقلا عن المصرى اليوم