فريدة الشوباشى

تعودت ألا أفصح أبداً عما أعرفه وعاصرته عن شخصيات واراها التراب، وأنفر من الذين يتحدثون بصفاقة أحياناً عن شخصيات فى رحاب الله لم يسجلوا موقفاً واحداً معارضاً أو حتى منتقداً لها فى حياتها، وقد أردت شرح موقفى هذا قبل الحديث عن الزعيم الإيرانى آية الله الخمينى، حيث كان كلامى وقتها على موجات الإذاعة التى كنت أعمل بها فى باريس.

 

فقد أدهشنى أن يعود الخمينى مع أتباعه إلى طهران على متن طائرة خاصة من العاصمة الفرنسية، كما استغربت من وصفه لإيران بالجمهورية الإسلامية ووجهت له تساؤلاتى.. لماذا ليس الجمهورية الإيرانية أو الجمهورية الفارسية؟ بأى حق تحتكر الإسلام، لا سيما لدى الانتماء إلى مذهب معين؟ فى هذا اليوم الذى فتح أعين الكثيرين على خطورة ادعاء تمثيل دين معين، وهو فى حالتنا الدين الإسلامى الحنيف، الذى ألحقوا به ضرراً وتشويهاً.

 

كما فتح الباب على مصراعيه لمخطط التفتيت الذى تمت تسميته الخبيثة بالشرق الأوسط الكبير، والكبير هنا يقصد بها تقسيمه إلى أكبر عدد ممكن من الدويلات العرقية والطائفية، بدلاً من الوطن العربى الواحد.

 

ومن المواقف التى أثرت فى نفسيتى تأثيراً عميقاً، غضب الخمينى عندما تحدث أحد أبناء إيران، من إقليم عربستان، باللغة العربية.. وأكرر بأننى أكشف عن هذه الأمور لأننى تحدثت عنها فى حياة الرجل.. وفى ذات السياق أكشف عن أننى كنت من أكبر مشجعى السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله فى لبنان، قبل أن يصدمنى بإعلانه الانتماء إلى آيات الله فى طهران.. فأنا من جيل الدين لله والوطن للجميع.. وأن قوتنا فى وحدتنا.. وعشت بعد سياسة الانفتاح فى منتصف السبعينات، وبعد ظهور علامات التشرذم بين شيعى وسنى وعلوى ودرزى وقبطى ومسلم، أصعب أيامى ولم أستعد الثقة إلا بعد ثورة الثلاثين من يونيو وعودتنا إلى الدين لله والوطن للجميع.

 

وقد لاحظت أن الأجيال التالية مرت بذات الشعور، كما سجل ذلك كتاب الدكتور خالد منتصر، الرائع، خلف خطوط الذاكرة، وقد استعادت إيران الجدل حول دورها بما أسمته الهجوم على إسرائيل بالطائرات المسيرة والصواريخ والتى لم تلحق أى ضرر بإسرائيل بل أدت إلى مزيد من تعاطف الولايات المتحدة الأمريكية معها، بل والاستمرار فى خرسها حيال الحرب الوحشية التى تواصلها دولة الاحتلال منذ أكثر من ستة أشهر ضد الشعب الفلسطينى فى غزة.

 

وإن كان الهجوم الإيرانى قد كشف مواقف البعض، مثل ما قيل عن التنسيق بين إيران والإدارة الأمريكية حتى يحصد هذا الهجوم المدبر النتائج المرجوة من جانب أعداء الأمة العربية وقضيتها الأولى، قضية فلسطين، بتحويل الأنظار عن استشهاد وإصابة عشرات الآلاف من الأشقاء، خاصة الأطفال والنساء والمسنين العزل، الذين لا حول لهم ولا قوة.

 

ومن غرائب حقبة التوحش الصهيونى أن ينعقد مجلس الأمن بناء على طلب تل أبيب، لبحث العدوان الإيرانى! دون أن يسأل عن عدوان إسرائيل على القنصلية الإيرانية فى دمشق.. إن الأحداث الأخيرة تكشف ربما لأول مرة بمثل هذا الوضوح حجم التواطؤ والمؤامرات التى تحاك منذ زمن بعيد ضد الوطن العربى، خاصة ضد مصر التى تجتاز مرحلة من أصعب ما مرت به من صعوبات، وهو ما أعلنه السيناتور الأمريكى الراحل جون ماكين الذى جاهر بلا أدنى حياء بأن بلاده لن تسمح بظهور ناصر آخر.. وكان يشير إلى قائد ثورة يونيو الرئيس عبدالفتاح السيسى.. وإذا قيل لنا يا ما فى الجراب يا حاوى.. فالأكيد أن لدينا أيضاً الجراب الوطنى العظيم الذى لن ينضب أبداً.

نقلا عن الوطن