ينقلها ويعلق عليها :
كمال زاخر

عن الكتاب:
وصف مصر عبارة عن 20 مجلدًا بعنوان «وصف مصر أو مجموع الملاحظات والبحوث التي تمت في مصر خلال الحملة الفرنسية» تمت كتابتها وتجميعها إبان الحملة الفرنسية على مصر حيث اصطحب نابليون بونابرت معه فريقا من العلماء من كافة التخصصات ليسجلوا ملاحظاتهم. (ويكيبيديا)
تاريخ النشر الأصلي  1809
تاريخ الترجمة         1978

[ 1 ]
يمكن أن نعد الطوائف الآتية بين المسيحيين:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ  الأقباط   ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ طائفة كاثوليكية وتتبع البابا.
2ـ طائفة من الهراطقة وتخضع لبطريرك، ويتبع هؤلاء آراء آرتيخوس (اوطاخى) ونسطوريوس (نسطور)، ولكن مع اختلافات كبيرة، وهم ينكرون الطبيعة المزدوجة للمسيح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ  الأروام  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الكاثوليك ويخضعون للبابا.
2ـ المنشقون ويخضعون لـ 4 بطاركة واحد فى القسطنطينية وآخرفى القاهرة وثالث فى دمشق والرابع فى القدس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ  الأرمن  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الكاثوليك ويخضعون للبابا.
2ـ المنشقون ويتبعون أحد البطاركة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ  المارونيون  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهم كاثوليك ويخضعون للبطريرك فى لبنان.
وليس فى مصر لا كالفانيون ولا لوثريون.

ـــــــــــــــــــــــ  عن الأقباط بشكل خاص  ـــــــــــــــــــــــــ
لعل أكثر الطوائف إثارة للإهتمام من بين سكان مصر هى طائفة الأقباط بلا جدال، ذلك أنهم يعتبرون أنفسهم أحفاداً للمصريين القدماء، كما يرون فى لغتهم وفى المسارات التى سلكتها الأحداث التاريخية ما يرجح كفة مثل هذا الادعاء، ومما لا جدال فيه أن لهم ملمحاً فيزيقياً شديد القرب من ملمح الافريقيين لحد يكفى لكى يحملنا على أن ننسب لهم أصلاً يعود إلى الدولة القديمة، ولعل بمقدورنا أن نفترض أن جنسهم قد استطاع أن يظل نقياً، بعيداً عن أى اختلاط بالأغريق، إذ ليس بينهما أى ملمح من تشابه.

فعندما استولى الاسكندر على مصر واستقر فيها الإغريق بشكل دائم تحت حكم البطالمة فلابد أن كان ثمة جنسان متميزان، ومنذ ذلك الوقت أصبح المصريون، الذين عرفوا باسم الأقباط، يشكلون طائفة منعزلة بالرغم من الغزوات المتتابعة من الرومان والعرب والعثمانيين، وما تزال هذه الطائفة منعزلة تماماً حتى اليوم عن بقية الأجناس التى تشكل الآن الجزء الأعظم من سكان مصر.

منذ الأيام الأولى للمسيحية، أرسل بطرس الرسول إلى المصريين القديس مرقص كى يبشرهم بالإنجيل، فجذبت فصاحته وحماسته على الفور العقول، وأصبح له جمهور من الأتباع. وهكذا تأسست كنيسة الأسكندرية التى أصبحت ذائعة الصيت فى الوتيخوس ونسطوريوس، وظلت هذه البذور الأولى للانشقاق تعمل عملها حتى اليوم.

وللأقباط منشآت دينية بالغة الروعة كما نرى فى كثير من الكنائس والأديرة الخربة، كما أنهم أنشأوا فى مصر العليا على وجه الخصوص كنائس رائعة. ويبدو الصعيد بمثابة مهد لهم، فقد كانت أعدادهم هناك على الدوام كبيرة ومازال الأمر كذلك حتى اليوم، ولكنهم بعد كثير من التقلبات والأزمات السياسية لقوا مصير سكان مصر الآخرين، ذلك أن ديانتهم بعد أن فقدت جزءاً من سطوتها التى أكدتها سيطرة الأباطرة الرومان فقدت كذلك جزءاً من عظمتها وازدهارها، وبرغم ذلك فقد ظل لهم ما يقرب من مائة دير، من بينها خمسة أديرة خاصة بالنساء: اثنان منها فى القاهرة، واثنان فى مصر القديمة، وآخر فى مكان منعزل بالقرب من منفلوط، وهذا الدير الأخير مثال لحالة بالغة الندرة والشذوذ بشكل غير مستحب، فهو ينقسم إلى قسمين منفصلين واحد للرجال وآخر للنساء يضمهما معاً سور واحد دون أن يكون ـ رغم ذلك ـ أى اتصال بينهما.

ولا يلعب الأقباط فى مصر إلا دوراً ضئيلاً، ومهارة شعبهم هى مصدر حياتهم، فقد استطاعوا ـ تحت حكم الأتراك ـ أن يحتفظوا بجزء من العمل الإدارى لم يخرج مطلقاً عن أيديهم منذ العصور البالغة القدم، وهو مسك سجلات الضرائب والدخول والملكيات، أى أنهم ـ باختصار ـ الملمون بمساحة مصر . وهم يتهمون بأنهم لم يكونوا ـ على الدوام فى عملهم هذا ـ على درجة كافية من الأمانة والنزاهة.

وهم يقومون بعمليات تقسيم التركات العقارية، وهم كتبة مصر الحقيقيون، كما أنهم أيضاً مساحوها، وقد انهمك عامتهم فى ممارسة فنون الصناعة.

وتعيش الأديرة بفعل الهبات، وعن طريق دخول متواضعة تأتى من بعض الملكيات الضئيلة التى احتفظوا بحق استغلالها. كما أنهم يقومون بمساعدة فقرائهم عن طريق جمع تبرعات عامة، ويقوم بجمع هذه التبرعات مفتشون يختارهم البطريرك على الدوام من ابناء العائلات الكبيرة. ورهبانهم بسطاء فى ملابسهم وطعامهم، كما أن الرزق ـ أى الدخول ـ الممنوحة لهم لا تكفيهم إلا مع الحرمان الشديد، لذا فهم لا يأكلون فى اليوم سوى مرة واحدة، ويتكون طعامهم من الخضر وقليل من السمك، ولا يسمح عياد. وملابسهم عبارة عن رداء كتانى طويل، والراهبات لسن بأحسن من هؤلاء لبساً.

وهكذا أمكن للأقباط أن يتماسكوا فى شكل أمة متحدة داخل بلد منهزم، ويعطى مجتمعهم الصغير لمصر ـ بفضل بعض الأنظمة المقتبسة من القيم الإنجيلية ـ مظهراً من مظاهر الاتحاد والوفاق والألفة، وهو أمر نادر فى تلك البلاد التى نكبت بالطغيان والاستبداد.

ورغم هذا فإن الأقباط لا يخلون من العيوب  ...
نواصل فى لقاء تال ...