القمص يوحنا نصيف
تحدَّث الربّ يسوع مع تلاميذه عن إرجاع الفَضل لله في كلّ شيء، ومقاومة الإحساس الداخلي بأنّنا أصحاب إنجازات عظيمة، وأفضل من غيرنا؛ فقال لهم: "مَنْ مِنْكُمْ لَهُ عَبْدٌ يَحْرُثُ أَوْ يَرْعَى، يَقُولُ لَهُ إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحَقْلِ: تَقَدَّمْ سَرِيعًا وَاتَّكِئْ. بَلْ أَلاَ يَقُولُ لَهُ: أَعْدِدْ مَا أَتَعَشَّى بِهِ، وَتَمَنْطَقْ وَاخْدِمْنِي حَتَّى آكُلَ وَأَشْرَبَ، وَبَعْدَ ذلِكَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ أَنْتَ؟ فَهَلْ لِذلِكَ الْعَبْدِ فَضْلٌ لأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ؟ لاَ أَظُنُّ. كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ، لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا" (لو17: 7-10).
يُقَدِّم القدّيس كيرلّس الكبير تعليقًا لطيفًا على هذه الكلمات، فيقول:
+ وَجَّهَ الربُّ لنا في هذه الأعداد حديثًا طويلاً وهامًّا، لكي يُرِينا الطُّرُق التي تؤدِّي إلى المجد والكرامة، وليُظهِر أمجاد الحياة التي بلا لوم، لكي بتَقَدُّمِنا فيها.. فإنّنا نُدرِك جعالة دعوة الله العُليا (في3: 14).
+ طبيعة ذِهن الإنسان تَتَّجِه دائمًا إلى المجد الباطِل، وتُصاب بسهولة بالمَيل نحو الافتخار الباطل.. والمتميِّزون أمام الله يُقَدِّمون دائمًا بعض الفضائل النبيلة جِدًّا كحُجّة لهذه الخطيّة.. إنّها خطيّة خطيرة جِدًّا وكريهة أمام الله، فالحيّة مصدر كلّ شرّ تقود الناس أحيانًا إلى هذه الحالة الذهنيّة، حتّى أنّهم ربّما يتخيّلون أنّ الله يكون مَدِينًا لهم بأعلى الكرامات، عندما تكون حياتهم مجيدة وممتازة.
+ فَلِكَي يجتذبنا الربّ بعيدًا عن هذه الأفكار، فإنّه يضع أمامنا.. أنّ السيّد لا يَعتَرِف بأيّ فضلٍ للعبد، حتّى لو فَعَلَ كلّ ما يجِب عليه أن يفعل، بحسب ما هو لائق بوضع العبيد.
+ لاحِظوا هنا أنّ الربّ يُشَجِّع التلاميذ.. على الاجتهاد، ولكن ليس كأنّهم يُقَدِّمون خدمتهم له على أنّها فضلٌ منهم، بل كَمَن يَدفَعون دَينَ الطاعة الواجب على العبيد؛ وبهذا يُبطِل داء المجد الباطل، الملعون.
+ لأنّك إن فعلتَ ما يجب عليك، فلماذا تتكبّر في نفسِك؟ ألستَ ترى أنّك ستكون في خطر إن لم تُسَدِّد دينك؟ تلك الحقيقة قد تعلّمها وفهمها جيّدًا ذلك الخادم العجيب بولس الرسول الذي يقول: "لأنّه إن كنتُ أُبَشِّر فليس لي فخر، إذ الضرورة موضوعة عليّ، فويلٌ لي إن كنتُ لا أُبَشِّر" (1كو9: 16).
+ فإن كنتَ قد فعلتَ حسنًا، وقد حفظت الوصايا الإلهيّة، وقد أطعتَ ربّك، فلا تطلب كرامة من الله كأنّها حقٌّ لك، بل بالحريّ اقترب منه واطلب الهِبات التي من سخائه بتوسُّل.
+ تَذَكَّرْ أنّه فيما بيننا أيضًا (يقصِد في الأوضاع الأرضيّة)، فإنّ السادة لا يُقِرُّون بأيّ شكرٍ عندما يؤدِّي أيّ واحد من عبيدهم الخدمة المُعَيَّنة لهم، رغم أنّهم بجودِهِم يكسبون ارتياح عبيدهم الأمَنَاء، وهكذا يوَلِّدون فيهم نشاطًا أكثر بفرحٍ.
+ بالمِثل يَطلُب الله مِنّا خدمة العبيد، مُستَخدِمًا حقّ سلطانه الملوكي، ولكن لكونِهِ صالِحًا وجَوَّادًا، فإنّه يَعِدُ أيضًا بالمكافآت لأولئك الذين يَتعَبون، وعظمة إحسانِهِ تَفُوق أتعاب عبيده جدًّا، كما يؤكِّد بولس الرسول إذ يكتُب قائلاً: "إنّ آلام الزمان الحاضر، لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستَعلَن فينا" (رو8: 18). نَعَم فرغم أنّنا عبيد، فالربّ يدعونا أبناءَ ويكلّلنا بالمجد اللائق بالبنين.
[عن تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلّس السكندري (من العظات 113-116) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]
القمص يوحنا نصيف