هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
المنيا .. وقوع اعتداءات على أقباط قرية الفراخر - مركز المنيا بمحافظة المنيا ، من قبل متشددين وحرق عدد من منازل الأقباط ومنعهم من الخروج من منازلهم وإرهابهم لمجرد شائعة أن الأقباط يريدوا بناء كنيسة في القرية.
وقد قامت مطرانية المنيا للأقباط الأرثوذوكس بإبلاغ الجهات المعنية بالواقعة، وعلى إثر ذلك تم الدفع بتعزيزات أمنية مكثفة إلى القرية للسيطرة على الأحداث .
حيث تجمهر هؤلاء المتشددين واتفقوا فيما بينهم على هدف إجرامي واحد هو التعدي على الأقباط وعلى ممتلكاتهم وإصابتهم ، كل هذه الأفعال الإجرامية الإرهابية مؤثمة قانوناً وفق المادتين ٨٦ ، ٨٦ مكرر ( أ ) من قانون العقوبات .
أن مثل هذه الوقائع المؤسفة من الأعتداء علي الأقباط من قبل هؤلاء المتشددين فيها إخلال بالنظام العام وتعريض سلامة وأمن المجتمع للخطر والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وترويع الآمنيين وتعريض حياة الغير للخطر، وإتلاف ممتلكات الغير .
في تقديري أن ما اقترفه الجناة يعد أيضاً استعراض القوة وتعريض حياة الآخرين للخطر وفقاً لنص المادتين (375 مكرر، 375 مكرر أ) من قانون العقوبات. يعاقب بالحبس كل من قام بنفسه أو بواسطة الغير باستعراض القوى أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما، وذلك بقصد ترويعه أو التخويف بإلحاق أى أذى مادى أو معنوى به، أو الإضرار بممتلكاته أو سلب ماله أو الحصول على منفعة منه أو التأثير فى إرادته لفرض السطوة عليه - أو إرغامه على القيام بعمل، أو تكدير الأمن أو السكينة العامة، متى كان من شأن ذلك الفعل أو التهديد إلقاء الرعب فى نفس المجنى عليه أو تكدير أمنه أو سكينته أو تعريض حياته أو سلامته للخطر أو إلحاق الضرر بشىء من ممتلكاته أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتبارهم.
كما تنص مادة (375 مكررا أ) يضاعف كل من الحدين الأدنى والأقصى للعقوبة المقرر لأية جنحة أخرى تقع بناء على ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة 375 مكرر ، ويرفع الحد الأقصى لعقوبتي السجن والسجن المشدد إلى عشرين سنة لأية جناية أخرى تقع بناء على ارتكابها. وتكون العقوبة الإعدام إذا تقدمت الجريمة المنصوص عليها فى المادة 375 مكرر أو اقترنت أو ارتبطت بها أو تلتها جناية القتل العمد المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة (234) من قانون العقوبات.
ويعد ما ارتكبه هؤلاء الجناة من أفعال تشكل جرائم جنائية مكتملة الأركان تضعهم تحت طائلة القانون وليس هناك أي مبررات لتلك الجرائم على الإطلاق.
جدير بالذكر إن حرية العبادة وحرية ممارسة الشعائر الدينية من بديهيات حقوق الإنسان، وحق أصيل للمواطن وحق دستوري مقرر له لا يجوز المساس به دون مسوغ ولا الانتقاص منه بغير مقتضى. وأن منع الأقباط مَن الصلاة مخالف لكافة الدساتير المصرية المتعاقبة وللدستور الحالي في مادته (٦٤ )،. حرية الاعتقاد مطلقة ..، فلكل إنسان أن يُؤْمِن بما يشاء من الأديان والعقائد التي تطمئن إليها ضميره وتسكن إليها نفسه ولا سبيل لأي سلطة عليه فيما يدين به في قرارة نفسه وأعماق وجدانه ، بالتالي يجب علي الدولة أن تحمي وتكفل لمواطنيها الحرية المطلقة في حرية العقيدة والدين وأن الدولة لا تقيم نفسها حكماً علي صحة العقيدة أو فسادها ولكنها تنظر إليها في إطار مدي اتفاقها أو اختلافها مع الدستور والقانون. ولا يُوجد أي قانون في الدولة يمنع حرية العبادة وحرية ممارسة الشعائر الدينية
لذا يجب تجديد الخطاب الديني كما دعا إليه رئيس الجمهورية ، وأن تقوم المؤسسات الدينية بدورها لتعليم صحيح الدين، وأن تبحث كافة مؤسسات الدولة عن آليات فعالة لمواجهة التطرف.
وهنا نتساءل من نصب هؤلاء المتشددين أن يكونوا أولياء أو أوصياء على الأقباط وعلى المجتمع ويظنون أنهم بمنأى عن العقاب وغير خاضعين لسلطات الدولة وغير مبالين بالعقاب لأن الأمر في تصورهم وفِي تصور الكثيرين سوف ينتهي في الأغلب الأعم بجلسات الصلح العرفية وهذا فيه ضياع لحقوق الأقباط ويدفع المواطنين فاتورة بعض أشكال التعصب والجهل وتدهور التعليم وإنتشار الأفكار الرجعية المتطرفة وعدم قبول الآخر وثقافة البادية، ولعدم معالجة الأحداث في نطاق تطبيق دولة سيادة القانون ومن ثم يتكرر مسلسل الاعتداء على الأقباط، وقد يفلت الجناة من العقاب فمن أمن العقاب أساء الأدب.
إن الجلسات الصلح العرفية تعد افتئات على دولة سيادة القانون ومبدأ المواطنة ، والحل الأمثل لمواجهة مثل هذه الجرائم هو التطبيق الفوري لأحكام الدستور والقانون دونما تمييز أو انتقاء.
ومع الأسف الشديد فقد ساهمت الجلسات العرفية في زيادة تلك الجرائم ، وتعميق النزاعات الطائفية وليس احتوائها، وتفتقر إلى توفير أبسط الضمانات الدستورية والقانونية لجميع أطراف النزاع وأصبحت وسيلة للقهر والاستبداد وضياع الحقوق وفيها تشييع للدستور والقانون وتعميق الانقسامات والخلافات وإثارة الطغائن بين أفراد المجتمع.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل الجلسات العرفية يمكن أن تصبح بديلا للقضاء؟.
إن الجلسات العرفية لا علاقة لها بالقضاء ، وليست بديلا عن التقاضى بين المتخاصمين، فالقضاء سلطة من سلطات الدولة الثلاث ولا يمكن الاستعاضة عن أى منها. لأن حق الدولة فى العقاب قائم، فإن الدولة بكل أجهزتها يجب إن تتخذ إجراءاتها العادية للحفاظ علي حقوق مواطنيها ، ولجوء بعض العائلات أو القبائل للجلسات العرفية كبديل عن القانون لا يعتبر شيئاً إيجابياً ولا يمنع القضاء من نظر أىّ دعوى جنائية والفصل فيها وفق أحكام القانون وتقديم كل المتهمين للعدالة ، كما أن القضاء لا يعرف المواءمات السياسية أو الاجتماعية ولا ينظر إلى أشخاص بل إلى الوقائع المجردة للجريمة وملابساتها .
إن فكرة القبلية والعائلة والنسب والانتماء المكانى تعزز فكرة الجلسات العرفية كبديل لنظام العدالة وهذا يشكل خطر داهم على المجتمع.
حيث إن الجلسات العرفية تعتبر بمثابة مسكنات تهمّش القانون وتصارع العدالة فتلك الجلسات هي إحدى الآليات التي تضعف القانون وأحكام الدستور ، ومحل انتقادات شديدة وواسعة من معظم المواطنين ، وليست حل للأزمات . ويجب التعامل بكل حزم مع الخارجين عن القانون ، وعدم الاعتداد بجلسات الصلح العرفية لأن ذلك يؤدى إلى وقوع مزيد من الجرائم لاحقاً، فضلاً عن أن ذلك يعتبر نوعاً من التقاعس عن أداء الواجبات، وتركها لغير ذوى الشأن أو الاختصاص.
لذلك يجب تطبيق دولة سيادة القانون، ورفض الجلسات العرفية للصلح الزائف الذي يخسر فيه الكل، وتكون هيبة الدولة على المحك، ويولد شعور لدى المتهمين بالقوة وأنهم فوق القانون، وشعور لدى المجني عليهم بالظلم والقهر وضياع حقوقهم، بالتالي يتكرر هذا السيناريو المؤسف وينتقل عدوى الأعتداء على الأبرياء التي لا تنتهي من مكان لآخر ، كأننا نسير في حلقة مفرغة ونكتفي بدور المتفرجين والشجب والإدانة وننتظر وقوع الأحداث القادمة التي تحدث بنفس الكيفية وكأننا لا نتعلم من أخطائنا السابقة.
وبناء عليه نطالب كافة السلطات المعنية التصدي لمثل هذه الجرائم التي قد تنال من أمن واستقرار المجتمع وحماية مواطنيها والأحتكام إلى تطبيق دولة سيادة القانون، والقبض علي هؤلاء الجناة المتشددين والتحقيق معهم وإحالتهم إلي محاكمة جنائية عاجلة وتوقيع أقصي عقوبة مقررة عليهم قانوناً وذلك لتحقيق الردع العام والخاص، وحماية السلام الاجتماعي والأمن القومي للبلاد.
كما نطالب اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية المشكلة بقرار رئيس الجمهورية رقم ٦٠٢ لسنة ٢٠١٨م مواجهة مثل هذه الجرائم التي تنال من سلامة واستقرار الوطن لمنع حدوث حالة من الاحتقان تضر بالمجتمع ومواجهتها وقفاً للقانون للمحافظة علي الوحدة الوطنية وسلامة وأمن البلاد.
ونناشد مجلس النواب بإنشاء مفوضية عدم التمييز المنصوص عليها في المادة 53 من الدستور المصري الحالي .