ياسر أيوب
25 عامًا فقط تفصل بين تأسيس النادى الخديوى '>تأسيس النادى الخديوى 1882 فى الجزيرةـ الذى حمل فيما بعد اسم نادى الجزيرة- وتأسيس النادى الأهلى فى نفس الجزيرة.. وتصعب معرفة قيمة وأهمية تأسيس الأهلى بدون إعادة تأمل وقائع وتفاصيل تلك الفترة.. فالإنجليز حين جاءوا إلى مصر 1882 لم يحملوا فقط مطامعهم وسلاحهم، لكنهم جاءوا أيضًا بألعابهم.. ولم تكن مصر وقتها قد عرفت بعد اختراعًا اسمه الأندية.. ولما كان قادة الإنجليز وضباطهم لا يهتمون بكرة القدم التى تركوها لجنودهم وحدهم يلعبونها فى معسكراتهم الملاصقة لأحياء القاهرة.. فقد احتاجوا لنادٍ يمارسون فيه ألعابهم الراقية، مثل التنس والاسكواش والفروسية والبولو.. واستجاب الخديو محمد توفيق لطلبهم، ومنحهم 150 فدانًا من حديقة النباتات الخديوية فى الجزيرة ليؤسسوا فوقها ناديًا يحتاجون إليه أطلقوا عليه «نادى الخديوى»، ردًا للجميل وامتنانًا للهدية..
وهكذا امتلكت مصر أول نادٍ فى تاريخها وبدأت تعرف هذا الاختراع الجديد.. ولأن هذا النادى الأول كان غير مسموح بدخوله إلا للقادة والضباط الإنجليز فقط.. فقد بدأ آخرون يفكرون ويبحثون تأسيس أندية أخرى لهم.. وأكد الصحفى الكبير، روبير سوليه، فى كتابه الرائع بعنوان مصر ولع فرنسى أن الفرنسيين نجحوا عام 1891 فى تأسيس نادٍ فرنسى فى القاهرة.. ولم يكن النادى الفرنسى هو الثانى فى مصر بعد «نادى الخديوى».. فإذا كانت القاهرة قد تميزت بامتلاكها لأول نادٍ فى مصر.. فإن الإسكندرية بكل الغرباء والأجانب فيها قد سبقت لعاصمة فى امتلاك أندية كثيرة بلغ عددها فى 1900 قرابة 17 ناديًا، معظمها كان للجاليتين اليونانية والإيطالية.. وبسرعة بدأ أجانب القاهرة وغرباؤها تأسيس أندية مماثلة فى العاصمة.. وأكد الكاتب الكبير الراحل صلاح عيسى، فى كتابه بعنوان هوامش المقريزى، أنه بعد 20 عامًا فقط على الاحتلال الإنجليزى لمصر.. أصبحت الدعوة لإنشاء النوادى عالية الصوت، وامتلأت الصحف المصرية وقتها بأنباء إنشاء نادٍ أو كلوب لبعض أصحاب المهن.. وعلى الرغم من الاختلافات الكثيرة فى المساحة والهوية والوظيفة والألعاب المسموح بها فى كل هذه الأندية الكثيرة.. إلا أنها تشابهت فى أنها أندية مغلقة على أصحابها الذين يحملون جنسية النادى، سواء إنجليز أو فرنسيين ويونانيين وإيطاليين.. وهو ما يعنى أن المصريين أصحاب البلد والأرض التى فوقها كل هذه الأندية لم يكن مسموحًا لهم بدخولها إلا فى حالات نادرة وباستثناءات قليلة..
وظل عموم المصريين ممنوعين من دخول أى نادٍ حتى 1903، حين تم افتتاح نادى السكة الحديد فى عنابر الورش بجزيرة بدران فى شبرا.. لكن حتى هذا النادى كان يخص المهندسين والموظفين الإنجليز والعمال المصريين فى مصلحة السكك الحديدية فقط.. وحين أسس على مخلص الباجورى فى 1905 نادى النجمة الحمراء، كأول ناد لكرة القدم فقط فى مصر، وسيحمل فيما بعد اسم الأوليمبى.. فلم يكن أكثر من مجرد فريق للكرة يلعب فوق تلال الحضرة بمنطقة وابور المياه وغرفة واحدة متواضعة يقوم فيها اللاعبون بتغيير ثيابهم.. حتى نادى المدارس العليا، الذى تأسس 1905، كان مقصورًا على طلبة المدارس العليا وخريجيها فقط.. وحين تأسس النادى الأهلى 1907 كان أول نادٍ يفتح أبوابه للمصريين دون أى شروط، خاصة اجتماعية أو اقتصادية أو وظيفية.. وكانت المرة الأولى التى يجد فيها المصريون ناديًا لا يغلق أبوابه فى وجوههم.. ولم يكن هذا فقط ما قدمه النادى الأهلى لمصر.. إنما كان الخطوة الأولى التى تلتها خطوات باتت ضرورية ليمتلك المصريون أنديتهم ويؤسسونها دون خوف أو قيود.
نقلا عن المصرى اليوم