بقلم: أندرو اشعياء
كانت كل الأمور طيبة، وتسير على ما يُرام.. أجواء مِن الفرحة، تهاني قلبية بالعيد، والحان مُفْرحة تشجو بأعماق النفس، لا لتطْربِها، بل لتسلبها نحو مياه وورود وبساتين، تشعر أنك في خُلد السماء عينها تعاين فرحة المسبيين، وجوقة الملائكة تنشد «قدوس قدوس قدوس.. قدوس الله القوي الذي قام من الأموات.. قدوس قدوس قدوس» إنها مشاعر خارج الزمن وخارج الشعور والإحساس أيضًا..
إنتهى القداس، واصطحبت اسرتي نحو المنزل، وبعدما وصلنا كعادة أي بيت نتهيأ لمائدة العيد التي نتفق عليها كل عيد وكأنها الأولى، نتفق أن تكون خفيفة لتلائم فترة الصوم، ونتفاجأ بالعكس «ارز .. بشاميل.. كبدة.. ديك رومي أصيل.. طاجن بامية باللحمة.. حلويات.. عصائر» ننسى خلال هذه الممارسات معنى الصوم، أيّ أنه ضبط للنفس، نتعامل بعدم تمميز وكأن الصوم نوع من الكبت، ولكن دعني الآن استعجل مجئ أخي الذي لم يصل حتى الآن..
وها ارتديت ملابسي، واستخدمت تجوالي الخاص لإستعجله، وكانت المفاجأة أنه في قسم أول حي الأزبكية متهم في قضية إثارة الرأي العام.. نسيت كل شئ وفرحة العيد ودون أن أدري كنت خلال عشرين دقيقة بالقسم، وخلالها تحدثت إلى أحد أصدقائي وهو مستشار بالنقض العالي، وتفضّل بإرسال أحد مندوبي مكتبه مُتابعًا معنا كل التفاصيل..
كانت قضيته أنه مع بعض الأحباء الأصدقاء له ارتدوا زي «عُمال» ومعهم أعلام مكتوب عليها «عيد قيامة مجيد» وكانوا نحو خمسة عشر شابًا في نهاية العقد الثاني من العُمر (18 عام تقريبًا)..
كان مجلس الوزراء منذ أيام نشر إعلان الأجازة الخاصة بعيد القيامة المجيد على أنه أجازة عيد العُمال، وثارت موجة من الإستياء والسخرية اتجاه هذا المنشور الذي لم يتراجعوا عنه حتى ولو من «باب احترام الآخر».. أتذكر أنني فكرت يومها أن الولايات المتحدة نفسها تخصص يوم اجازة لعيد الهالوين - وهو عيد أصله وثني يخص عبادة الشيطان - وتكفل حرية المعتقد، ولكن لا بأس فقضية أخي أهم من هذا كله..
كان الشباب، في جو مِن المرح مع بعض مِن الحمية الشبابية، اتفقوا على شراء «خوذات» وملابس بالية عبارة عن جلباب بسيط، وفأس «طورية» متشبهين بالعمال. وبالفعل احتفظوا بهم لبعد انتهاء القداس وارتدوها فوق ملابسهم وساروا بها في الطريق حاملين رايات «المسيح قام»، ومع حمل هذا الفأس «الطورية» إعتقد «الضابط النوبتجي» أنه تحريض على العنف وإهانة لرئاسة مجلس الوزارء!! فقبض عليهم بتهمة اثارة الشغب في الطريق العام، وحمل آلة حديدية..
وفي القسم، ومع جو مِن الاستياء، إنهال جميع أهالي الشباب (المقبوض عليهم) على الحكومة ومجلس الوزراء باتهامات عدم الحكمة وعدم الحنكة والسذاجة في التعبير «بخصوص البيان» وعدم إحترام الآخر؛ أتذكر أن أحدهم قال: «هي دي الجمهورية الجديدة؟!»..
وجدنا أنه مِن الحكمة عدم استباق الأمور، وتقصي أشد تعبيرات الحكمة في الحديث.. وقتها إتصل بي صديقي المستشار ولم يعدني بأي مساعدة اتجاه حملهم «فأس» خصوصًا أنها ليست منطقة زراعية وليست مواعيد عمل وليسوا فلاحين!! وأنهم على الأقل سيكونوا تحت القيد والحبس فترة على زمة القضية!
لم يكن بيدي إلا أن أصرخ مستغيثًا بالله، وعلى بدّ هذه الصرخة أفقت على صوت يوقظني «لأشرب ماء» مِن جراء هذا الكابوس الذي على أثره أصر الليل على ألا يُهديني جزء بسيط مِن سويعاته القليلة المتبقية لأنام فيها!! مُفكرًا ماذا لو حدث ولو جزء مِن هذا.. هل سنتّهم الحكومة بعدم إحترام الآخر أم سنتّهم الشباب الثائر بالتحريض على العنف!! أعتقد الثانية خطأ والأولى أشر..
عمومًا مع محاولات كثيرة اضررت لأن استيقظ وأترك سريري، وأنت تعلمون ملاذ هذه الحقبة وعفريت هذا العصر في مثل هذه الظروف وهو السوشيال ميديا، فجلست في اريكة البلكون وهممت برحلة «scroll» على «الفيس بوك» لأتفاجأ بخبر حرق بيوت الأقباط في قرية تُدعى «الفواخر» بالمنيا من قِبل متطرفين..
إن جميع ما حدث هو صورة بسيطة لترسب فكر الإسلام السياسي المتأصل جذوره في مجتمع متهريء مِن ثالوث المرض والفقر والجهل!!
لقد أصابني الاستياء أكثر حينما أدركت أن الخلط بين الأمرين هو «قضية اخرى»، وحينئذ أغلقت هاتفي ونمت!