رامى جلال
كل عام ومصر بخير وسلام، اليوم هو «أحد السعف»، وبعد أسبوع واحد نصل إلى محطة عيد القيامة، وهو العيد الذى يريد له بعض المتطرفين أن يظل نقطة جدلية ساخنة، وأن يقنعونا بأن نمط تعاملنا معه سيحدد مصيرنا يوم القيامة.
يزعجنا البعض سنويًا بدعاوى متكررة لتحريم تهنئة المصريين لبعضهم بعيد القيامة، وهو أمر ممل وبه كثرة من قلة الذوق ووفرة من ثقل الظل، والأخطر أنه دعوى تفريقية تمس وحدة وكيان هذا الوطن. ومن العادى أن يقتصر الإيمان ذاته على كل المسيحيين، لكن من غير العادى أن يمتنع بعض المسلمين عن التهنئة بحجة أنها تعنى الإيمان بالمعتقد! وهذا عبث، لأن مشاركة الآخرين فرحتهم بأعيادهم لا تعنى بالضرورة مشاركتهم الإيمان بالعقيدة الكامنة وراء تلك الأعياد، لكنها تساوى فقط تفعيل الإنسانية التى تميزنا عن الكائنات الأخرى. فكل فئة من الفئات البشرية التى تستعمر هذا الكوكب تحتفل بأعياد لا تؤمن بها باقى الفئات، فإن كنا سنعزل أنفسنا عن بعضنا فلن نتقدم، فالحب يبنى والكراهية تدمر.
يمثل عيد القيامة قمة الفرح عند المسيحى وقمة الخلاف عند المسلم، ولا يمثل أى شىء يُذكر عند نصف سكان الكرة الأرضية!، ونحن مختلفون وهذه هى إرادة الله وحكمته، ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعًا، ومع ذلك فهو سبحانه وتعالى لا يكره أحدا بدليل أنه يعطى الخير للجميع دون تفريق، ولا يصدر عنه شر لأى منا، فهو يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين، فكم بالحَرِى أن نبتعد نحن عن الكراهية والتفريق بين الناس.
تقول الآية الكريمة: «والسلام علىّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًا». ولا خلاف على ميلاد السيد المسيح أو على موته أو على بعثه حيًا. لكن جوهر المشكلة يكمن فى التوقيتات، الجميع متفقون على لحظة الميلاد، لكن الآراء تختلف فى توقيت الوفاة وزمن البعث، فريق يقول وُلد ومات ورُفع، ومجموعة تقول وُلد ورُفع وسيموت. وفى كل الأحوال لا يجب على كل جماعة أن تهتم بهذه الأمور شديدة العمق داخل ثنايا عقيدة الجماعة الأخرى، فما شأن أصحاب كل معتقد بالمعتقد الموازى لهم، إلا لتجسيد حالة من حالات التطفل على خصوصيات الآخرين، بينما الأصل أن يهتم الإنسان بعقيدته هو ليشع نورها على الجميع فيبصرونه، وحينها يعرفون الحق، والحق يحررهم. ولا يجب أن يكون الإيمان متعديًا، اعبد ما تشاء ودع الناس على حريتهم، فلا أنت إله لتفرق بين الصواب والخطأ، ولا أنت ملاك لتحكم على الناس، كلك سوءات وللناس ألسن!.
أيًا كان إيمانك فإن لفكرة القيامة دروس مهمة يجب فهمها: القيامة هى وعد، لأنها تجسيد أن الطموح ليس مستحيلًا والحلم ليس غريبًا، وأنه يمكننا الإفلات من فخ أى صياد وكسر كل قيد. القيامة هى أمل: لأنها انتقال من الجسد إلى الروح، أى من المحدود إلى اللانهائى، ومن المنظور إلى الخفى، ومن الظلم والباطل إلى العدل والحق. القيامة هى رجاء: لأنها قوة تحقيق المستحيل وغير المستطاع عند الناس لأنه مستطاع عند الله. القيامة هى ثقة: لأن العالم قد غُلب بعد أن كان فيه ضيق. القيامة هى اطمئنان إذا قامت أى حروب، القيامة هى محبة، لأنها وصلت لذروتها فتحولت لفداء وعطاء وبذل للعدو قبل الصديق، القيامة هى فرح لأنها متجددة بالوعد فى قادم أفضل لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر.
نريد لذكرى القيامة أن تكون عيدًا لقيامة الوطن من عثرته وليس يومًا للفرقة والتشتت. نحتاج لفتح أبوابنا المغلقة لنخرج من أزماتنا، لا فرق إذا قال المسلم: «رب افتح لى أبواب رحمتك»، أو قال المسيحى: «افتحى أيتها الأبواب الدهرية». المهم أن تنفتح لأننا محبوسون خلفها دون تفريق أو تمييز، ومصيرنا واحد. اعملوا وأنتجوا ليعيش الوطن فى خير وسلام وأعياد دائمة.
نقلا عن المصرى اليوم