اتبارك أن أقدم لكم هذه التأملات الروحيه لابينا مثلث الطوبى والرحمات قداسه البابا شنوده الثالث :
اعدها الباحث : مجدى سعدالله


لقد تركت هذه الواقعه الأليمه أثرا عميقا فى وجدان الكنيسه . واحتجاجا على يهوذا'>قبله يهوذا الخائنه للرب . من عشية الاربعاء ( مساء الثلاثاء ) تمنع القبله فى الكنيسه .ويستمر هذا الامر طوال الايام الباقيه من اسبوع الآلآم إلى ليله العيد .

ففى قداس خميس العهد لا يقول الشماس (قبلوا بعضكم بعضا ) ولا يقول هذا ايضا فى قداس سبت النور . كل ذلك لكى تغرس الكنيسه فى أذهان المؤمنين نفورا من القبله الخائنه ومن خيانه يهوذا لمعلمه .

وتذكارا لهذه الخيانه نصوم كل أربعاء طوال السنه . محتجين على التأمر على السيد المسيح . هذا التأمر الذى اشترك فيه يهوذا احد تلاميذه بخيانه بشعه . على ان يهوذا لم يكن هو الوحيد الذى خان السيد المسيح فى تلك الايام . فكثيرين قد خانوه . كثيرين من الذين أحسن اليهم صاحوا قائلين ( أصلبه . أصلبه ) فلماذا التركيز على خيانه يهوذا بالذات ؟ ذلك لان خيانه يهوذا كانت الخيانة الكبرى .

كانت خيانه يهوذا فيها التواء قلب وخداع . لقد جاء مع الجند . وأقترب من السيد المسح يقبله . كانت هذه القبله علامه بينه وبينهم . لقد ذكرنا يهوذا بشجرة التين التى لعنها السيد الرب . كانت خضراء مورقه من الخارج . وداخلها عريان بلا ثمر . من الظاهر كان يهوذا يسلم على السيد المسيح . وفى الواقع كان يسلمه إلى اعدائه .

وظهرت وداعه السيد المسيح . فى أنه لم يمنعه . كان يعرف كل ما أعتزم يهوذا أن يفعله . ولما اقتربت الساعه وهو  فى البستان قال لتلاميذه ( هوذا الذى يسلمنى قد اقترب )
مت 26 : 46 لم يمنعه من الدنو منه وتقبيله ولم يصفه بكلمه ( خائن ) بل قال بالأكثر  (ياصاحب . لماذا جئت ) وعاتبه فى رقه قائلا ( أبقبله تسلم أبن الإنسان )

تبدو خيانه يهوذا بشعه جدا لان السيد المسيح كان قد أحسن اليه كثيرا من قبل . يكفى أنه اختاره ليكون واحدا من الاثنى عشر رسولا مع معرفته بطبيعته . ومثل باقى التلاميذ أرسله ليكرز ويبشر . و اعطاه معهم سلطانا على اخراج الشياطين وسلطانا أن يشفى كل مرض وكل ضعف . ولم يكتف باختياره رسولا . بل جعل الصندوق عنده . لم يكن أذن رسولا عاديا . بل كان من أصحاب المسؤليات بين الاثنى عشر . وهو المكلف بأن يعطى من الصندوق للفقراء . وأن يصرف منه فى احتياجات التلاميذ .

ومع أن يهوذا لم يكن يبالى بالفقراء . لانه كان سارقا . وكان يأخذ كل ما يلقى فى الصندوق . إلا ان الرب لم يكشفه فى سرقاته ولا سحب الصندوق منه .

بل بقى الصندوق معه إلى يوم وفاته . وفى هذه المسؤليه لم يجازيه الرب حسب أعماله . ومع ان الرب كان يعرف خيانته وتسليمه له . إلا انه لم يطرده من تلمذته . ولم يعزلهم الاثنى عشر . وتركه يجتمع معه . ويعرف أخباره . بل كان وضعه هو وضع المقربين اليه . كواحد من الاثنى عشر . كان مع المسيح ليلا ونهارا . ويتبعه حيثما سار .

وامام الجميع هو واحد من خاصته . يعيش معه ويأكل ويشرب معه . هذا من الناحيه العامه أما من الناحيه الخاصه . فكان مقربا اليه . كان قريبا منه جدا على المائدة حتى يمكن ان يغمس لقمته فى نفس صحفته .

لقد سمح له الرب بهذا . لعله يخجل من هذه المحبه ويرتدع . ولكنه لم يستفد من هذا الحب ولا من كونه أكل مع المسيح خبزا وملحا . بل انطبقت عليه نبوءه المزمور ( الذى أكل خبزى . رفع على عقبه ) مز 41: 9  

يكفى ان الرب كان معلمه وكان حبيبه . لقد باع يهوذا معلمه . وأباه الروحى . ومرشده وصديقه الذى عاش معه ثلاث سنوات يستمع إلى تعاليمه . ويبصر معجزاته . ولعله أبصر قبل تسليمه له بخمسة أيام معجزة اقامه لعازر من الموت وايمان الكثيرين بسببها . ولعله أبصر قبل ذلك بقليل معجزة فتح المولود اعمى . ولكن كل ذلك لم يؤثر فيه . ولم يمنع خيانته . ويزيد من البشاعه أنه سعى إلى بيع سيده .

لم يأت اليه ر ؤساء  الكهنه لكى يغروه على هذا الأمر . ولكن يهوذا هو الذى ذهب اليهم . وكان يطلب فرصه ليسلم اليهم السيد المسيح . لقد باع سيده بثمن زهيد . واستمر على خيانته يومين . ولم يبكته ضميره . لو حدث هذا الأمر فجاة لقلنا انه لم تكن امامه فرصه ليراجع نفسه .

لقد استمر طوال يومى الاربعاء والخميس دون ان يفكر فى الرجوع عن خيانته . وعلى الرغم من ذلك لم يتركه الرب فى هذه التجربه وحده . بل قدم له إنذارات لكى تنبه قلبه حتى لا يسقط

1- بعد غسل الأرجل قال الرب لتلاميذه ( انتم طاهرون . ولكن ليس كلكم ) يو 13 : 10

2- فى اثناء عشاء الفصح قال لهم ( أن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه . ولكن ويل لذلك الرجل الذى به يسلم ابن الإنسان . كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد ) مت 26 : 24 ولكن يهوذا لم ينتبه ولم يخف .

3- وضيق الرب الدائرة فمن قوله ( واحد منكم يسلمنى ) إلى قوله ( الذى يغمس يده معى فى الصحفه هو يسلمنى ) مت 26 : 21  ولم يتحرك قلب يهوذا

4- وقال الرب ( هو ذاك الذى أغمس أنا اللقمه وأعطيه . وغمس اللقمه واعطاها ليهوذا ) يو 13 : 26  كان يمكن ان يرجع يهوذا عن غيه  لو اراد . وهو يرى الرب بنفسه يطعمه بيده . وضع اللقمه فى فمه ولكن يهوذا لم يستفد .

5- أخيرا قال يهوذا ( هل أنا ياسيد ) اجابه الرب ( أنت قلت ) كان الأمر مكشوفا وكان على يهوذا ان يعمل لابديته . ولكن يهوذا لم يتب . كان قد دخله الشيطان .
حقا انها مأساة اذ اوصل نفسه إلى هذه النهايه .

6- قال له السيد المسيح معاتبا ( ما انت تعمله . فأعمله بأكثر سرعه ) يو13 : 27 وكانت فرصه أن يلقى بنفسه عند قدمى المسيح . ولكنه لم يقدم توبه . يقول الانجيل ( فذاك لما أخذ اللقمه . خرج للوقت . وكان ليلا ) يو 13 : 30 خرج ليلا لينفذ ما قد دبر فى الظلام . وهو يعلم تماما ان المسيح يعرف كل تدبيراته . وبخروجه انفصل إلى الابد عن الرب وتلاميذه . ما أبشع أن يكون الانسان مستسلما تماما لتوجيه الخطيه على طول الطريق . يقوده ذهن مرفوض . او يقوده الشيطان . ( يتبع )
( الى اللقاء فى تاملات اخرى فى اسبوع الالام ) مع تحيات : مجدى سعدالله .