هاني لبيب
حقًا.. إن قرار مصر بإغلاق الحدود كان السبب الأساسى فى تفاقم الكارثة الإنسانية فى قطاع غزة. نعم قصدت ما سبق بتأكيد الفكرة، ولكنها ليست فكرتى، بل هو رأى أليس جيل إدواردز (أسترالية الجنسية، وهى المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب) التى أكدت على الفكرة السابقة، بل وزادت على ذلك بعقد مقارنة غير متكافئة بين الأحوال فى غزة من جهة، وفى سوريا وأوكرانيا من جهة أخرى على مستوى توفير مناطق أمنة للاجئين فى بلدان مجاورة، وأكدت على أنه لم يسمح إلا لأعداد قليلة من سكان غزة بالمغادرة.
أهمية ما سبق، أنه لا يفترض فيه حسن النية بكل الأحوال، ليس فقط للأفكار المطروحة، بل أيضًا لكونه صادرا عن شخصية رسمية لها حيثياتها الأممية على مستوى العالم. فضلًا عن تبنيها الرواية الإسرائيلية فى صياغة تبدو إنسانية. وهو ما يؤكد أن أفكارها ليست صدفة، ولا تقف وتعبر عن مجرد رأى شخصى لها وحدها دون توجيه. وقد كان من الطبيعى حسب مقتضيات وظيفتها أن تكون رافضة لمبدأ التهجير قانونيًا وإنسانيًا.
يتضمن المقال المذكور العديد من المغالطات والمتناقضات التى تصب فى صالح محاولة إيجاد تبرير قانونى لتصفية القضية الفلسطينية واستمرار ترديد نغمة رفض مصر لاستقبال اللاجئين. وهو ما يتجاهل دور مصر عبر سنوات طويلة فى استضافة لاجئين عراقيين وسوريين ويمنيين وسودانيين وليبيين دون أى رفض أو تذمر أو معارضة أو عزلهم فى خيم خارج العاصمة، بل ودمجهم فى المجتمع المصرى دون أى شروط، وهو ما جعلهم يتمتعون بكافة الخدمات والمميزات التى يتمتع بها المواطن المصرى.
وذلك لأن الطبيعى أن غالبيتهم سيعودون لبلادهم فور عودة الاستقرار إليها لكونها تعانى من انقسامات وحروب داخلية. وهو على النقيض من القضية الفلسطينية التى تحتل إسرائيل أراضيها، وتتبع سياسة «خروج دون عودة».
تتفق المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب مع تحذير مصر والأردن من تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، ثم تعتبر تخوفات مصر من التهجير هى مخالفة للقانون الدولى الإنسانى والقوانين الخاصة باللاجئين. وتجاهلت تمامًا أن تاريخ الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى يؤكد أن إسرائيل صادرت «حق العودة» ورفضته لكل من خرج إجبارًا من أرضه.
لا يمكن افتراض حسن النية فى إعادة تأويل ما تقوم به مصر من تجهيز خيم إيواء.. تجنبًا لحدوث كوارث إنسانية بالترويج لروايات إخوانية بأن مصر تجهز لمنطقة حدودية متاخمة لغزة لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يعنى تهجيرهم من أرضهم وتصفية قضيتهم الوطنية.
لا يخلو المقال المذكور من مغالطات تتعارض مع توجهات القانون الدولى ومنظمة الأمم المتحدة التى تنتمى لها المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب.. فى محاولة لرسم صورة ذهنية جديدة بالتعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم لاجئين.. ليتسق ذلك مع الترويج لفكرة تهجيرهم إلى مصر.
مازالت مصر على موقفها الوطنى الثابت غير المتغير: لا للتهجير.. لا للتصفية.. لا للإبادة.. لا لإنهاء فكرة الدولة الفلسطينية.
مصر بمبادئها الإنسانية وقيمها الوطنية لن تكون الممر الافتراضى لتحقيق الطموحات الإسرائيلية والمزاعم الصهيونية.
نقطة ومن أول السطر..
لن تكون هناك دولة فلسطينية إذا ترك الفلسطينيون أرضهم. وقطعًا مصر ليست مجبرة على إدخال الفلسطينيين حسب مخططات الشرق الأوسط الكبير والجديد أو حسب صفقة القرن وغيرها من مصطلحات واتجاهات.. توحى بفكرة أكبر مما نراه الآن على غرار «الأديان الإبراهيمية»، أو من خلال مجالس عالمية وهمية للتسامح والسلام.
يبدو أنه فى الأفق القريب.. تمهيد دق طبول الحرب لبدء تنفيذ عملية اجتياح رفح.
نقلا عن المصرى اليوم