حنان مفيد فوزي
أكتب اليوم عن رسول المحبة المولود من نور، ثمرة بطن السيدة العذراء مريم الطاهرة البتول التى لم يمسسها بشر، وقد فضلها الله على نساء العالمين، أكتب اليوم عن نبى المعجزات الذى أسكن الفقراء وأشبع الجياع والعطاشى وأشفى المرضى وأقام الأموات، أكتب اليوم عن صانع الخيرات الذى كان يجول فى الأرض يصنع خيرًا، ويتحنن على البشر أجمعين ويشرق بشمسه على الأبرار والأشرار، أكتب اليوم عن شهيد الإنسانية الذى فدانا بروحه وحمل خطايانا وصُلب بدلاً منا لننجو نحن بالكلية من العذاب الأبدى.
اليوم جمعته العظيمة المجيدة، وغدًا عيد قيامته النورانية وفى الفردوس الأعلى مكانته، المسيح له كل المجد والقوة والملك مثال الزُهد وقوة الاحتمال والوداعة الذى صام عنا أربعين نهارًا وأربعين ليلة دون طعام أو شراب وواجه إغراءات إبليس عدو الخير بكل صلابة وإيمان وتعفف حين تحداه قائلًا «إن كنت حقًا نفحة مقدسة من روح الله مولودًا من الروح القدس غير مخلوق كبقية البشر قل أن تسير هذه الحجارة خبزًا» فأجابه سيدنا يسوع المسيح «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله» ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل وقال له «اطرح نفسك إلى أسفل لأنه مكتوب أن الله يوصى ملائكته بك فعلى أياديهم يحملونك لكى لا تصدم بحجر رجلك» فأجابه السيد المسيح «مكتوب أيضًا لا تجرب الرب إلهك» ثم أراه إبليس جميع ممالك العالم ومجدها وقال له «أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لى» فأجابه «إذهب عنى يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد».
إنه السيد المسيح الحبيب الذى أوصانا بالرحمة والغفران كى نحب أعداءنا ونحسن إلى مبغضينا ونصلى لأجل الذين يسيئون إلينا ولا ندين أحدًا ونغفر للناس زلاتهم، هو المسيح الذى علمنا خصال التواضع والاستقامة مؤكدًا «أكبركم يكون خادمًا لكم، فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع» هو المسيح الذى وهبنا غريزة العطاء فمتى صنعنا صدقة لا نُصوّت قدامها بالبوق بل نعطى فى الخفاء ولا نُعّرف شمالنا ما تفعل يميننا.
وهو الذى ألهمنا شعار الصدق دون هتافات تدغدغ المشاعر فمتى صلينا لا نكون كمرائين بل ندخل مخدعنا ونغلق بابنا ونصلى إلى أبينا الذى فى السموات ولا نكرر الكلام باطلًا كالأمم فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم فلا يصح أن نتشبه بهم لأن الله يعلم ما نحتاجه قبل أن نطلبه.
ومتى صُمنا لا نكون كالعابسين فإنهم يغيرون وجههم لكى يظهروا للناس صائمين وهكذا قد استوفوا أجرهم، أما الصوم والصلاة والعطاء يكون لوجه الله وحده واجتهادا من تلقاء النفس ليس عن حزن أو اضطرار ولكن بفرح وإيمان، السيد المسيح هو النور الحقيقى الذى وجهنا إلى طريق الحق كى نسير وفق مشيئته الصالحة الكاملة وخطة رب السموات والأرض ولا نخاف من الذين يقتلون الجسد لكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها بل نخاف من الذى يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما فى جهنم.
هو المسيح الذى أرشدنا ألا نكنز لنا كنوزًا على الأرض بكل كنوز فى السماء بكل عمل صالح ولا نهتم بما نأكل وبما نشرب وبما نلبس لأن الخالق يسدد جميع احتياجاتنا، علينا أن نطلب ملكوت الله وبره أولًا وكل شىء يزاد لنا ولا نهتم بالغد لأن الغد يهتم بما لنفسه ويكفى اليوم شره فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه.
وأخيرًا نبهنا المسيح له كل المجد والنعمة أن نحترس من الأنبياء الكذبة الذين سيأتون إلينا بثياب الحملان لكى يظهروا للناس أبرارا لكنهم من الداخل ذئاب خاطفة مشحونون رياء وإثمًا قائلًا «انظروا لا يضلكم أحد فإن كثيرين سيأتون باسمى قائلين أنا هو المسيح فلا تصدقوا وسوف تسمعون بأخبار حروب فلا ترتاعوا ولا تقلقوا، إن السماء والأرض تزولان لكن كلامى لا يزول والذى يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص».
وقبل أن تصعد روحه الطاهرة إلى عرش السماوات أكمل رسالته بكلمات هى أبلغ وصف لما يدور من حولنا، إذ قال «فى العالم سيكون ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم» إن المسيح غلب العالم وضيقاته أتانا بثمر الفرح والبركة والنعمة ليُنسينا المشقة ويعوض لنا عن السنين التى أكلها الجراد، فشكرًا لله الذى يقودنا دائمًا فى موكب نصرته.
نقلا عن المصرى اليوم