مدحت بشاي
«لأَنَّهُ لَيْسَ فِى أَفْوَاهِهِم صِدْقٌ، جَوْفُهُمْ هُوَّةٌ، حَلْقُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ، أَلْسِنَتُهُمْ صَقَلُوهَا...»، تذكرت آيات ذلك المزمور المهم والبديع، ونحن نعيش ذكرى أيام وأحداث معاناة السيد المسيح مما عاشه وعاناه فى أسبوع الآلام والأحزان من كروب وصولًا لحدث القيامة المجيدة وزمن الأفراح والنجاة.
وكانت تلك الآيات- التى رأيت أن تتصدر مقالى- من هذا المزمور الذى رتله «داوود» وهو ممتلئ مرارة من الذين كانوا أصدقاء ومخلصين له ثم شعر بخيانتهم له، وهذا ما حدث للمسيح إذ خانه تلميذه يهوذا ودل عليه، وهو من كان يجول وسطهم يصنع خيرًا، وهم من طالبوا بصلبه، وكانوا يستهزئون به.
وتمر الأعوام بالمئات والقرون، وتنتشر الأديان، وتغمر المعمورة وسائطها ورسائلها ورموزها ودعاتها، وتُشيد للدعوة إليها المؤسسات الدينية والتعليمية والروحية لممارسة العبادات ونشر رسائل وطقوس عبادات تلك الأديان على مدى زمن قرون بسطها على أرض الإنسان..
وكان المأمول تراجع ممارسات أهل الشر لأفعال الخيانة والكذب والقهر والظلم والاضطهاد وغيرها من الرذائل والبشاعات على أرض الشقاء، لا أن نعانى- للأسف- من إبداع المزيد من الأشكال الجديدة لممارسات أهل الشر!!
بل ويبدو أننا قد بتنا فى حاجة إلى قراءة معالم الظواهر الإنسانية التى تستجد أو تتطور كظاهرة العنف والتوحش وممارسات القهر الإنسانى، ولا أقول الذهاب إلى البحث عن تفسيرات لوجودها أو علل تعاظم وجودها، فالقراءة وبوعى لشكل ومحتوى الظاهرة الإنسانية بموضوعية تأتنس بالعلم وتدعم بالاختبار والقناعة بالاستنتاج بات ضرورة عند التعامل مع مثل تلك المظاهر التى تشكل ثقافة سلوكية غريبة قد تكون وافدة، أو تمثل انعكاسًا لحالة اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية مُعاشة، أو هى حالة تطور طبيعى لواقع بشر عاش العديد من المحن والإحن والأزمات والحروب.. عاش التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المادية والنوعية الحادة بكل تبعاتها وتجلياتها السلبية..
وعليه، أرى أن الثقافة الدينية وتوطين المعارف الدينية الصحيحة المستنيرة عبر كل الوسائط الإعلامية الدينية باتت من الأمور المهمة المطلوب ضبط مؤشراتها وقواعدها.
لابد من رفض التوجه الغريب من قبل قنوات تليفزيونية وإصدارات تخصصت فى مجال الإعلام الدينى الإسلامى والمسيحى التى تبنى سياستها المهنية على تعظيم العقيدة أو المذهب الخاص بها عبر الإلحاح على تقزيم وإهانة الأخرى من خلال عقد مقارنات مثيرة للشارع المصرى، الذى بات جاهزًا للاشتعال السريع بعد تغيير المكون الفطرى للإنسان المصرى على مدى الحقب الأخيرة نتيجة هبوب رياح طائفية مقيتة واردة من بلاد الثقافات البدوية الصحراوية، وانتشار غباوات تشويه صحيح الأديان.
كما أرى أهمية قبول المؤسسات الدينية للتحاور مع أهل الفكر، والاطلاع على ما تطرحه المراكز البحثية من اجتهادات إصلاحية داعمة لرسائلها الروحية والإنسانية والمجتمعية.
لقد طالعت مؤخرًا بعض ما جاء فى بحث نُشر منذ سنوات عبر أحد المراكز البحثية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وأرى أهمية إعادة طرح بعض عناوينه، والبحث تحت عنوان «المسيحية فى أزمة»، ويقول الدكتور مكرم نجيب، رئيس مجلس كلية اللاهوت الإنجيلية فى زمن نشر البحث عبر أحد المواقع الإلكترونية، إن هذا البحث قام بحصر خطر الفضائيات فى نقاط تحمل عناوين:
تحويل المسيحية إلى وجبات سريعة.
تحويل الحياة إلى مدينة فاضلة غير موجودة.
تحويل الحق إلى أساطير وشعوذة.
تحويل الشيطان إلى بطل لا يُقهر.
تحويل الإيمان إلى أمور محسوسة.
تحويل الإنسان إلى آلة.
تحويل العبادة إلى تسلية.
تحويل الرسالة إلى إثارة حساسيات وفتن.
تحويل الكنيسة إلى أفراد منعزلين.
تحويل الخدمة الدينية إلى مشروع تجارى.
وقد نتفق أو نختلف مع بعض تلك النقاط ومدلولاتها، ولكننى أرى أهمية أن تلعب مؤسساتنا الدينية دورها فى تصويب ما يصدر عن وسائل إعلامها المباشرة من خطابات ورسائل ينبغى تدقيقها ومراجعتها وقراءة أبعادها، والاشتباك الإيجابى معها، وبيان أخطاء ما يصدر عن وسائل الإعلام الخاصة التجارية من خلال التدقيق فى اختيار رموز صالحة لتمثيل تلك المؤسسات.
نقلا عن المصرى اليوم