القمص أثناسيوس فهمي  جورج
ذهب يوسف الرامي إلى بيلاطس وطلب منه هذا الغريب قائلاً له: أعطني هذا الغريب الذي حكمت عليه بالموت على الصليب؛ بينما هو القدوس والبار... أعطني يسوع الفقير الذي ليس له أين يسند رأسه... أعطني الغريب الوحيد المصلوب العريان والمطعون والمُكلل بالأشواك. أعطني المربوط في العراء والمُزدرى به والمجهول بين الغرباء... أعطني هذا الغريب؛ لن يفيدك جسده... إنه جاء من كورة بعيدة ليخلص البعيدين والمشتتين... أعطني الغريب الذي لا نعرف بلده ولا نعرف أباه ولا كيف وُلد... هذا وقد ساد صمت شديد لأن هذا الغريب ملك متجسد نائم؛ رقد بالجسد – مات الإله – بالجسد – فارتعد الجحيم... المخالفون المزمجرون ارتطموا بحجر الزاوية – المسيح؛ فتحطموا وذهبوا يقرعون على صدورهم؛ بعد أن رفعوا حجر الحياة على خشبة؛ فترضض عليهم، أنزلوه من على الصليب وفكوا رباطات الذي فك الرباطات الأزلية وعتق الغرباء والمُدانين... فكوا الذي قيد الطاغية الشيطان بقيود لا تنحل... ووضعوا المسيح في باطن الأرض؛ لذلك غابت شمس البر وصارت الظلمة دامسة حالكة السواد.

يوسف الرامي المائت تجرأ متقدمًا إلى بيلاطس المائت ليطلب منه جسد الإله المعطي الحياة... الجبلة تطلب من الجبلة أن تأخذ جابل الكل... العشب يطلب من العشب أن يأخذ النارالسماوية... وكأن قطرة ماء تطلب من قطرة أخرى أن تعطي لها المحيط كله... يوسف النجار لفه بالأقمطة عند ولادته، ويوسف الرامي لفه بالأكفان عند موته في القبر، يوسف النجار لازمه في المذود عند ميلاده؛ أما يوسف الرامي فأتى إليه حتى الدفن والقبر... في ميلاده تقبل أطياب المر واللبان من المجوس؛ وعند القبر وُضعت الأدهان على جسده فصار قبره السيدي كمذود؛ وُلدت لنا فيه القيامة وجِدّة الحياة... إن هذا الغريب كان قد هرب من هيرودس وذهب إلى مصر ووُلد في مذود فقير؛ وعاش غريبًا مجتازًا؛ تركه الأصدقاء وتنكر له إخوته؛ وهرب منه تلاميذه؛ وتآمر عليه الرؤساء؛ وضربه العبيد؛ واحتقره العسكر؛ وظلمه الحكام؛ لكنه لهذه الساعة قد أتى؛ ومجده في آلامه؛ وقد أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة... لذلك فلنأتِ إليه لنكون به أغنياء؛ ونشترك في خدمة الطيب والأدهان التي للإله الحق أحد الثالوث القدوس... فلنأتِ إلى موضع الجلجثة ونرنم جميعًا قانون الدفنة؛ ونمجد المصلوب مع يوسف ونيقوديموس اللذين سبحاه قائلين: قدوس الله؛ قدوس القوي؛ قدوس الذي لا يموت... ارحمنا يا الله مخلصنا يا من صُلبت على الصليب وسحقت الشيطان تحت أقدامنا خلصنا وارحمنا... فمن جيل إلى جيل سنوك لن تبلىَ؛ ومن قبل الشمس كان إسمك؛ أنزلوك من على الخشبة؛ وكفنوك يا ضابط المسكونة؛ انزلوك وأنت الفخاري الأعظم الذي جذب إليه كل المجروحين؛ وشفعت في المذنبين بآلامك الشافية المحيية... ذقت الموت عن المسبيين والمنفيين؛ وسبقت إلى الفردوس كملك لتُصعد النفوس التي كانت في السجن؛ ولتُصعدنا معك كعظيم رحمتك؛ بعد أن قيدت الشيطان عدونا الأخير بالقيود والسلاسل؛ وقد هرب منك بوابو الجحيم... فتعالَ الآن يا منقذنا الوحيد واعتقنا من كل ضلالة وكل موت وكل قيد؛ وحرر عبيدك واجتذبنا إليك في هذه الليلة إلى مسكن الفرح.