زاهى حواس
عندما أكتب أو أحاضر فإنما أفعل ذلك فى مجال تخصصى وهو علم الآثار بصفة عامة؛ وعلم المصريات تحديدًا. وتتم استضافتى كثيرًا ودائمًا على مختلف القنوات التليفزيونية سواء المحلية أو العالمية ومنها القنوات المتخصصة فى التاريخ والآثار، كما أُجرى مقابلات صحفية بصفة شبه يومية. وكما قلت فكل كتاباتى ومحاضراتى هى فى مجال تخصصى ودراساتى وأبحاثى. وعندما أتحدث أو أكتب فلا أضع نصب عينى المتربصين والحاقدين وأصحاب النوايا الخبيثة ومثيرى الفتن والشائعات سواء بقصد أو بدون قصد؛ وبالتأكيد معروف جيدًا للمصريين الجماعة التى تتربص بنا؛ فأنا أخاطب وأحاضر لمَن يفهم جيدًا أنه يستمع إلى عالِم متخصص فى الآثار، يتحدث عما كشفت عنه الحفائر من آثار ومعلومات. وبالفعل قلت إن الفراعنة لم يذكروا لنا على آثارهم أنبياء الله، فلا وجود لإبراهيم ويوسف وموسى وهارون على جدران المقابر الفرعونية أو المعابد أو أوراق البردى من مصر الفرعونية!، وهناك الكثير من الأسباب التى تجعل عدم وجود ذكر لأنبياء الله فى آثار الفراعنة أمرًا منطقيًّا!، أولها أن المقابر والمعابد والبرديات الدينية والجنائزية وما بها يتسق مع العقائد المصرية القديمة، وبالتالى فإن وجود ذكر لأنبياء الله سيكون أمرًا غير منطقى!، أما السبب الثانى فإن إقرارنا بحقيقة عدم وجود ذكر لأنبياء الله على آثار الفراعنة يجب أن يُقرن بعبارة (حتى يومنا هذا، أو إلى الآن). والسبب معروف بالطبع: وهو أننا كعلماء آثار لم نكتشف سوى جزء من حضارتنا القديمة وقد قدرت هذا الجزء مجازًا بأنه ثلث الحضارة المصرية القديمة وقلت إن ٧٠٪ من آثار الفراعنة لم تُكتشف بعد. ومرة أخرى فهذا التحديد هو مجازًا ولا يعبر عن رقم حقيقى، لكن المقصود منه هو القول إن ما نعرفه عن الحضارة المصرية القديمة أقل بكثير مما يمكن معرفته حين الكشف عن كل آثار الفراعنة.
والخلاصة أن تصريحى بأن «الفراعنة لم يتحدثوا أو يذكروا أنبياء الله على آثارهم المكتشفة إلى الآن» حقيقة أثرية علمية. أما إذا سأل أحد الناس: هل يؤمن الدكتور زاهى حواس بأن مصر استقبلت أنبياء الله مثل سيدنا إبراهيم أبوالأنبياء، وسيدنا يوسف، عليه السلام، وأبيه يعقوب ومعه أبناؤه؟، وهل وُلد سيدنا موسى، عليه السلام، على أرض مصر وعاش بها وكُلف بالرسالة على أرض سيناء وخرج من مصر مع بنى إسرائيل؟، فإن إجابتى واضحة جلية هى «نعم كل هذا صحيح». لقد حدث كل ما تقدم ذكره على هذه الأرض الطيبة. وإننى كمسلم أؤمن بكل ما نزل على محمد، صلى الله عليه وسلم؛ وأن القرآن الكريم معجزة من رب العزة إلى رسوله الكريم وللإنسانية كلها. وقبل الحديث عن الفراعنة والرسالات السماوية، لا بد من رسالة إلى هؤلاء الخونة الذين يحاربون مصر وأهلها؛ إننى وبفضل من الله أعمل فى مجالى منذ أكثر من نصف القرن واجهت خلالها ألوانًا من الصعاب والمشاكل، بل الحروب كذلك ودائمًا- بفضل من الله- يكون الحق إلى جانبى لا لسبب سوى أن العلم لا يزيف والحقيقة لا تطمس وليس لها سوى وجه واحد فقط.
نعود إلى أجدادنا الفراعنة وقصتهم مع أنبياء الله: لقد آمن المصريون القدماء منذ فجر تاريخهم بأن هناك ربًّا واحدًا خالق الكون كله!، وآمنوا بوجود البعث بعد الموت، والحساب عن طريق العرض على الميزان!، وفى الميزان كان قلب المتوفى هو الذى يتم وزنه فى مقابل الحق والعدل والنظام. كان أجدادنا العظام يؤمنون بأن القلب هو محل العمل. وكانوا يؤمنون بأن بعد الموت إما الجنة أو نار الجحيم. وفى إحدى القصص الأدبية يريد الملك أن يطمئن أن الكاهن والفيلسوف جدى عنده العلم والمعرفة!، فكيف كان الإثبات؟، كان بأن تم فصل رؤوس بعض الطيور وإلقاؤها متفرقة وأجسادها على الأرض ثم دعوتها فتعود إليها الحياة مرة أخرى!!، وهناك عدد من الآثار التى تحكى لنا قصة مجاعة شديدة ضربت مصر لسنوات طويلة، فكان للتدبير والإدارة دور كبير فى تخطى الأزمة إلى جانب التضرع إلى الآلهة وتقديم القرابين. وأخيرًا اسم «موسى» هو اسم مصرى خالص بمعنى «وليد»، وهو من الفعل «مسى، بمعنى يلد، وموسى أو موسى اسم بمعنى الوليد». وبعض المرشدين السياحيين يخبرون الوفود بأن «موسى» يعنى «ابن الماء، على اعتبار أن مو تعنى ماء وسا تعنى ابن»، ولكن هذا تفسير خطأ، والأقرب هو كما قلت موسى تعنى «وليد». والخلاصة أن وجود أنبياء ورسل مروا على مصر أو عاشوا بها أمر واضح جلى من خلال الآثار التى بين أيدينا، وإن كانت لم تذكر أسماء للأنبياء أو تُشِرْ إلى قصصهم فى مصر.
يذكر مرنبتاح على لوح النصر الشهير فى المتحف المصرى، والمعروف خطأ باسم «لوحة بنى إسرائيل»، أنه- أى الملك مرنبتاح- قد أنهى واستأصل بذرة بنى إسرائيل، وبعيدًا عن التفسيرات العديدة لكلمة «إسرائيل» أو «يزرييل»، فإن المؤكد أن الفرعون مرنبتاح يتحدث عن قوم ولا يتحدث عن دولة أو شعب يمتلك أرضًا أو بلدًا!، وبالتالى فلا يمكن نفى وجود بنى إسرائيل فى مصر ولا يمكن نفى قصة الخروج من مصر. وذلك على الرغم من أن علماء الآثار اليهود استغلوا احتلال إسرائيل لسيناء بعد نكسة يونيو ١٩٦٧ وقاموا بحفائر فى سيناء كلها من الضفة الشرقية لقناة السويس، وكانت حكومة إسرائيل تدعم هذه الحفائر، بل تزود البعثات الأثرية بالمُعَدات والتجهيزات العسكرية لتسهيل مهماتها. وعلى الرغم من وفرة الإمكانيات والعمل فى أرض سيناء المحتلة بعد ١٩٦٧، فإن علماء إسرائيل وغيرهم ممن شاركوهم لم يستطيعوا القول إنهم قد عثروا على دليل واحد يؤكد أو حتى يشير إلى قصة خروج بنى إسرائيل من مصر!.
لقد قام أحد المواقع الإخبارية الإسرائيلية بنشر الموضوع الذى سيلى عرضه، وفيه هجوم صريح على شخصى!، يتهموننى أيضًا بتكذيب التوراة!، والموضوع كالتالى منقولًا من المصدر:
«أشار الموقع العبرى إلى تصريحات سابقة أدلى بها حواس فى مقابلة مع صحيفة «هاآرتس» يوم 25/12/2008، حيث قال إنه تم اكتشاف 30% فقط من آثار مصر حتى الآن وما زال الباقى مدفونًا تحت الرمال. وأضاف الموقع أن المشكلة ليست فيما هو مدفون تحت الرمال، بل فيما تحت أيدى ذلك الكاره لإسرائيل، رئيس هيئة الآثار المصرية، الذى يرى نفسه متوهجًا عظيمًا، ينكر كل ما جاء فى الكتاب المقدس عن الآثار المصرية وشعب إسرائيل!».
وقال الموقع العبرى إن هناك عددًا كبيرًا من البرديات المصرية القديمة الشهيرة التى يحتاجها الباحثون المعاصرون الإسرائيليون للتحقيق فيها، حيث إنهم فى حاجة إليها للمقارنة بينها وبين ما هو موجود بالكتاب المقدس، لكن المصريين يرفضون ذلك بشدة، ولا يسمحون لأى باحث إسرائيلى بالوصول إلى تلك البرديات خشية أن تؤدى أبحاثهم إلى تقوية «الصهيونية».
ويشير الموقع العبرى إلى أن البروفيسور اليهودى مانفريد بيتاك، ومنذ سنوات عديدة، يقوم بالبحث فى مدينة إفاريس، عاصمة الهكسوس منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد، ونحن نعرف ظهور اسم النبى «يعقوب» على أختام هذه الفترة، التى تتوافق مع زمن يعقوب فى مصر، ويدَّعِى أنه من الصعب للغاية الحصول على مزيد من المعلومات بسبب أن المصريين يقيدون أعمال التنقيب بشدة من جانب أى بعثة آثار إسرائيلية، حتى إنهم يطالبون بتغطية كل مكان يتم حفره بالتربة التى تُزرع عليها المحاصيل المختلفة.
وزعم الموقع العبرى أنه فى العاصمة أفاريس، وجد البروفيسور بيتاك مقابر جماعية، مثل تلك التى تم إنشاؤها بعد الأوبئة، حيث يتم دفن كميات كبيرة ولكن من الذكور فقط، وفى رأيه، يمكن أن تكون هذه المقابر نتيجة لطاعون، ومن الواضح أنها صُنعت على عجل، وتحت ضغط شديد، ووُضعت الجثث فى حالة من الفوضى، وبسبب عدم التخطيط والظروف المناسبة، لم يتمكن من اختبار فرضياته بسبب الصعوبات الكبيرة التى كانت تنهال عليها.
فيما كتب الدكتور يهوشوا بيرمان: «هناك حدود لما يمكن توقعه من الوثائق المكتوبة من مصر القديمة، لقد فُقد 99% من البرديات التى تم إنشاؤها هناك فى الفترة ذات الصلة؛ ومن منطقة الدلتا الشرقية للنيل، أرض جاسان التوراتية، لم تبقَ منها بردية واحدة، والمصادر المكتوبة الوحيدة المتاحة لنا فى هذه الحالات هى النقوش الموجودة على المعالم الأثرية، وعادةً ما تكون مخصصة لإعلانات الآلهة والإنجازات الملكية؛ بمعنى أن هذه الآثار بعيدة كل البعد عن كونها سجلًّا كاملًا وموثوقًا للأحداث التاريخية، فهى أشبه بقوائم السيرة الذاتية للمتقدمين للوظائف: أولئك الذين ليس لديهم اهتمام بالنواقص والإخفاقات».
وأضاف: «لقد تعرضت جميع المقابر المصرية تقريبًا (باستثناء مقبرة توت عنخ آمون) للسرقة من قِبَل لصوص القبور، واستُخدمت المومياوات فى الطب، واستُخدمت البرديات فى التجليد وصنع الأدوات منذ آلاف السنين، وقد تعرضت للسرقة والتدمير من قِبَل الإنسان والطبيعة، والغزاة واللصوص، والنسبة المتبقية ضئيلة، وفى عام 1865، قام فيليكس بونفيس بتصوير بائع متجول فى أحد شوارع مصر ومعه مومياء، وكأنها ببساطة ملكه، وكان بإمكانه بيعها مقابل بضعة قروش، فكيف لم نعثر على كل آلاف المومياوات والتحف التى اتبعت هذا المسار؟. كل الجواهر التى تم صهرها لصنع الذهب؟. النتائج التى توصلنا إليها هى جزء صغير». واختتم الموقع العبرى تقريره بالقول: «سيظل السعى مستمرًّا لمحاولة الحصول على قصاصات من المعلومات عن أسلافنا اليهود فى مصر قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة عام، لكن لا ينبغى أن نتوقع أن يتقدم بسرعة».
وبدايةً لا أتصور وجود جهة علمية محترمة يمكن أن تصف عالِم آثار بأنه كاره لإسرائيل لمجرد أنه أعلن رأيًا علميًّا يتفق معه فيه كل العلماء المحترمين دارسى الآثار المصرية، وهو أننا لم نعثر حتى الآن فى الآثار المصرية سواء المكتوبة أو الصور على أى دليل يمكن أن نعرف من خلاله مَن فرعون موسى أو أى دليل آخر للتاريخ الذى تم فيه الخروج. كما أنه لم يحدث أن قمت بالإدلاء للصحيفة الإسرائيلية المذكورة بأى حديث صحفى!، لكن ما تم نقله هو ما أقوله فى كل مكان ومن خلال محاضراتى وكتبى وأبحاثى.
أما بخصوص أن مصر لا تسمح للعلماء الإسرائيليين بدراسة البرديات الموجودة فى المتاحف المصرية؟!، فإن غالبية البرديات التى عُثر عليها فى مصر موجودة بالمتاحف الأمريكية والأوروبية، أما البرديات الموجودة بالمتحف المصرى فهى برديات دينية وجنائزية مثل كتاب الموتى وغيره، وكلها منشورة علميًّا، ويمكن دراستها من خلال الكتب المنشورة بها تلك البرديات.
أما المفاجأة فهى القول إن عالِم الآثار الإسرائيلى مانفريد بتاك، الذى عمل فى شرق الدلتا، وخاصة فى منطقة عاصمة الهكسوس أفاريس، قد عثر على اسم النبى يعقوب!، وعثر على آثار لليهود مدفونة، منها دفنة جماعية يُعتقد أن موت أصحابها كان من الطاعون، وهذه مفاجأة لأن «بتاك» هو عالِم آثار، لكنه لم يعلن إطلاقًا كونه إسرائيليًّا. وكان يعمل فى شرق الدلتا بصفته عالِم آثار نمساوى الجنسية. وقد اتضح أنه منذ ما يقرب من عام قامت جامعة تل أبيب بمنحه الدكتوراه الفخرية. لماذا لم يعلن بتاك من قبل أنه عالِم ’ثار إسرائيلى وهو يعمل فى الدلتا منذ أكثر من خمسين عامًا؟!. أما بخصوص العثور على ختم عليه اسم النبى يعقوب، فهذا الكلام لم ولن يقول به أى عالِم آثار لأن الاسم الموجود على الختم هو «حر»، ويعتقد العلماء أنه اسم لملك أو حاكم وليس لنبى الله يعقوب.
مع بداية العصر المسيحى فى مصر وظهور مقابر المؤمنين المسيحيين الأوائل فى مصر، وخاصة المناطق النائية مثل مقابر «البجوات» شمال واحة الخارجة، نرى تصويرًا لخروج بنى إسرائيل من مصر يطاردهم فرعون، وتصاوير وأسماء لأنبياء الله ورسله من أول آدم، عليه السلام، حتى عيسى بن مريم، عليه السلام.
نقلا عن المصرى اليوم