بقلم/ماجد كامل
يمر علينا خلال هذا الشهر عيد القيامة المجيد ؛وعيد القيامة في الطقس القبطي يعتبر عيد الاعياد كلها ؛ فهو العيد الوحيد في الكنيسة الذي تستمر الاحتفالات به 50 يوما متواصلة بدون أصوام ولا مطانيات ولا الحان حزايني ؛ حتي لو تصادف وفاة أحد المؤمنين خلال هذه الفترة ؛ يصلي عليه بالحان الفرح والقيامة .
ويرجع ذلك لما تحمله القيامة من معاني روحية جميلة ؛فبالقيامة قهر السيد المسيح الموت ؛وهذا دلالة قوية علي لاهوته . المعني الثاني هو نجاح مهمته في الفداء ؛ فلو أستمر موت المسيح في القبر لكان الموت قد قهره ؛وبالتالي فشل مهمته كفاد ومخلص ؛ كقول معلمنا القديس بولس الرسول "ونعلم أن المسيح من بعد أن أقيم من بين الأموات لن يموت ثانية ؛ولن يكون للموت سلطان عليه (رو 6 :9 ) . كما قال أيضا "وإن كان المسيح لم يقم ؛فكرازتنا إذن باطلة ؛وإيمانكم بعد باطل وأنتم بعد في خطاياكم .
إذن الذين رقدوا في المسيح أيضا قد هلكوا (1كو 15 : 14 ؛17 ؛18 ) . المعني الثالث مادام المسيح قد قام فقد صار عربون قيامتنا ؛فلو لم يكن المسيح قد قام ؛لكانت عقيدة قيامة الأموات تبدة بعيدة المنال ؛كقول معلمنا القديس بولس الرسول "وإن كان الروح الذي أقام يسوع من بين الأموات حالا فيكم ؛فالذي أقام المسيح من بين الأموات يحيي أيضا أجسادكم الفانية (رو 8 : 11 ) .
كما قال أيضا "عالمين أن الذي أقام الرب يسوع من بين الأموات سيقيمنا نحن أيضا مع يسوع ويحضرنا معكم "( 2كو 4 :14 ).ولعل المعني الأكبر والأعظم للقيامة هوالرجاء والأمل والحياة ؛فلا موت ولا يأس ولا فشل .
وهذا هو المعني النافع لنا في الخدمة ؛ مهما كانت حالتنا وحالة المخدوم أو وضع الخدمة لا نيأس ؛فالمسيح القائم من بين الأموات قادر أن يبث فينا هذه الروح .
فالقيامة أعطت للإنسان قيمة ؛فلو كانت حياة الإنسان تنتهي عند القبر ؛لأصبح مخلوقا فانيا زائلا .وبالقيامة ثبتت المباديء الروحية ؛وأصبح الإنسان – كل إنسان – صاحب رسالة وصاحب قيم ؛ ومع القيامة توجد المسئولية وتوجد الدينونة ؛فمادم الإنسان سوف يقوم من الموت ليعطي حساب وكالته عما صنعه خيرا أو شرا ؛فينبغي عليه أن يحيا حياة التدقيق الشديد .
ولو لم تكن هناك قيامة لساد الفساد العالم ؛ولأنتشر الظلم ؛وسادت الفلسفة الأبيقورية التي تقول "لنأكل ونشرب لأننا غدا نموت " ولأنهمك الإنسان في ملاذ الدنيا.
وبالقيامة أصبح الإنسان لا يخاف الموت ؛ وبالتالي عرف معني الشجاعة والجرأة وعدم الخوف ؛وهذا الشعور هو الذي دفع الشهداء الي التسابق لنوال أكاليل الاستشهاد بفرح وتهليل ؛ فعرفنا قصة الفلاحين الثلاثة في اسنا ؛الذين تصادف وجودهم خارج المدينة لحظة الاستشهاد ؛ وعندما عادوا ووجدوا المدينة كلها قد نالت أكليل الأستشهاد ؛جروا وراء الجنود وقالوا لهم ونحن أيضا مسيحيون ؛ فتقتلونا معهم ؛وبالفعل نال الفلاحين الثلاثة أكاليل الاستشهاد أسوة ببقية المدينة . كما أعطت القيامة للإنسان معني الإيمان بالحياة الأبدية ؛ ولقد عبر المؤمنون عن هذه الحياة في ختام قانون الإيمان ؛إذ يرددون وبالحن الفرايحي "وننتظر قيامة الأموات ؛وحياة الدهر الآتي .
أمين " حيث تجتمع كل الشعوب والقبائل والأمم من جميع الأجيال ومن كل الجنسيات ؛بدون أي تمييز بينهم سواء من جهة الجنس ؛أو اللغة ؛ أو الأصل العرقي ؛بل الكل يعيشون معا ؛في وحدة وسلام القلب والفكر ؛ ملتفين حول العرش السماوي يسبحون ويرتلون فيب محبة وفرح وسلام ؛ حيث لا يوجد لا موت ولا حزن ولا مرض ولا كآبة .
وهذا هو المعني الذي يردده الكاهن في أوشية الراقدين حين يقول "تفضل يا رب نيح نفوسهم جميعا في حضن آبائنا القديسين ابراهيم واسحق ويعقوب . علهم في موضع الخضرة علي ماء الراحة في فردوس النعيم ؛الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد في نور قديسيك .أقم أجسادهم في اليوم الذي رسمته كمواعيدك الحقيقية الغير الكاذبة .
هب لهم خيرات مواعيدك ما لم تره عبن ولم تسمع به أذن ولم يخطر علي قلب بشر ما أعددته يا الله لمحبي أسمك القدوس . لأنه لا يكون موت لعبيدك بل هو انتقال " .
ومن أشهر من أنكروا القيامة في الكتاب المقدس "الصديقون " وهم جماعة من أتباع صادوق بن فنحاس ( ملوك الأول 1 : 8 ؛32 ) وقد أكتفت هذه الجماعة بالطاعة الاعتيادية للشريعة المكتوبة فقط ؛ فكانوا لا يعتقدون في تقاليد الآباء وشروحاتهم وتعليقاتهم ؛ فأنكروا حقيقة القيامة والملائكة والأرواح ؛ولقد رد عليهم السيد المسيسح له المجد بقوله "وأما من جهة قيامة الأموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل .أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب .ليس الله إله أموات بل إله أحياء " ( مت 22 : 31- 33 ) .
وفي سفر الأعمال الأصحاح السابع عشر ؛نقرأ عن بولس الرسول عندما وقف يعظ في أريوس باغوس عن قيامة المسيح من الأموات ؛كان البعض يستهزئون به ؛وقال قوم من الفلاسفة الأبيقوريين والرواقيين ماذا يريد هذا المهذار أن يقول (أع 17 :18 ) .
وفي كتابات الآباء نقرأ عن العلامة أثيناغوراس ( 133- 190 م تقريبا) . مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية ؛انه كتب رسالة في حقيقية قيامة الأجساد من الأموات ؛ فلقد عاش في عصر كثرت فيه الشكوك حول هذه العقيدة ؛ وكانت حجر عثرة في سبيل إيمان كثير من الوثنيين بالمسيحية ؛ فقام بكتابة هذه الرسالة وهي تتكون من قسمين : القسم الأول وتشمل الفصول من (ف 1 :10 ) وفيها يرد أثيناغوراس علي الاعتراضات التي تثار ضد القيامة ؛والقسم الثاني ويضم الفصول من (11 :25 ) وفيه يقدم الأدلة علي حقيقة القيامة ؛ومما جاء في هذه الرسالة قوله " فإذا كان الله لا يستطيع أن يقيم الموتي ؛ فهذا يعزي إما إلي نقص في المعرفة أو نقص في القدرة .
ولكن الله لا تعوزه المعرفة لأنه يعرف أن يخلق الأجساد ؛فيمكنه بالأولي أن يعيدها إلي الحياة ؛ثم أن له القوة والقدرة ؛فإذا كان الله يقدر أن يخلق الأجساد فإنه يستطيع أن يعيد تأليفها وتركيبها من جديد ؛حتي بعد أن تحللت وتناثرت واندمجت عناصرها في الأرض أو النبات أو الحيوان أو الإنسان .
فإذا كان الله لا يشاء أن يقيم الموتي ؛فهذا مرده إما خوفا من أن يكون في القيامة ظلم يلحق بالموتي المقامين أو بكائنات أخري . والظلم لا يوافق مشيئة الله .وإما لأن القيامة في ذاتها أمر مشين أو قبيح لا يليق بالله .
ولكن القيامة لا تلحق بالميت المقام ظلما ولا كذلك بغيره من الكائنات ؛كما أنه ليس فيها ما يشين الله ؛ولا هي أقل لياقة من عملية الخلق ؛وإذن فالله يشاء القيامة كما يشاء الخلق من العدم " ( نيافة الأنبا غريغوريوس ؛ موسوعة الأنبا غريغوريوس ؛الدراسات الفلسفية ؛ الجزء الرابع ؛ منشورات أبناء الأنبا غريغوريوس ؛ ص 142 ؛143 ) .
ونحن نحتفل بعيد القيامة خلال هذا الشهر ؛فلنتذكر هذه المعاني الجميلة ونطلب قوة المسيح القائم لكي تعمل في حياتنا وفي خدمتنا .