بقلم : الكاتب أشرف ونيس🥀
✍️ تجمعت كثرة من الصفحات بجانب أخرياتها ، توجهوا الى أمهات الكتب و المجلدات ، فى محاولة بينهم للرحيل الى مكتبات لا حصر لها ، وذلك للتواصل و الاتصال بسابقتها من سالف العصور و الأزمنة ، للتوحد فى تعريف إحدى الكلمات بل واحدة من الحقائق ، بل حقيقة راسخة فى رحاب الحياة ، لا بل الحقيقة المطلقة للوجود بأكمله ألا و هى " الموت " !!!!!
وأى حقيقة ممكن لها ان تسبر أغوار تلك التى نحن بصددها ؟! و أى إحاطة أو حدود لها أن تمتد بأطرافها الى واقع ذلك الموت ؟! فإن كانت مخالبه تنتشب بجسد الأحياء لتقطع و تجز و تمزق القوى قبيل الأقل قوة ؛ فأى من الأماكن ممكن أن نتحصن بين أسوار قلاعه ؟!
وأى من شتات المسكونة و جنباتها المترامية ممكن أن يحدنا فاصل بيننا و بينه ؟! فها هى ابتساماته الساخرة تجر أذيال هزيمة متحدية عصرًا تلو عصر ، و ها هى إنذاراته التحذيرية تخترق ٱذان الغافلين عنه زمنًا وراء زمن ، لا يوجد من له أن يراجعه أو ينطق ببنت شفة فى حضوره أو حتى غيابة ، إذ إن الجميع يقر إقرارًا بهوله و جبروته و سلطانه المطلق على الجميع !
* تحيطه غمرٌ من الأسئلة ، كما يحده بحرٌ من التساؤل .... ؛ ماهو كنهه ؟ و ما هى أوقاته ؟ هل له من المقرات ما يستقر بخنادقها ، أم أنه طليق دون حيز أو مسكن له ؟ ماهى أسباب قيامه و تقاعسه أحيانا ؟ و ماهى دوافعه فى انطلاقه و خموله أحيانا أخرى ؟ هل له من ميلاد أو حتى مٱل ؟ هل هو شخص ذات كيان أثيرى أم أنه قوة روحية غير منظورة ؟ هل له قواعد تحكم تحركاته الفجائية ، أم إنه يصول و يجول دون رقيب أو حسيب من بين عالمه ...... ؟
* أسئلة لطالما تحير فيها حكماء العصور و فقهاء الدهور ، خاض فيها العلم ، اجتاز بين رحابها الفلاسفة ، وطئوا بأقدامهم ساحته رجال الدين ، كما نظر إليه الملاحدة بنظرتهم المتجردة من حيث ديناميكية الجسم البشرى و آليته .
✍️ تواترت كلماته و توالت آراؤه كما تتابعت نظرياته حين أدلى بدلوه فى سر ناموس الوجود - الموت ، فقد خضع العلم لتجاربه المخبرية حتى طفق فبدأ بغمرٍ من التقارير العلمية و أقر بأن : الموت هو توقف فسيولوجي لأعضاء الجسم البشرى ، يتوقف فيها القلب و الدماغ و الرئتان و من ثم الإحساس فالحركة ، يعقبهم فى ذلك موت الأنسجة و الخلايا ؛ و هكذا تصبح أجسامنا هيئة بلا طاقة و مظهرًا بلا جوهر ، نبكيها و نودعها فيواريها التراب ، ليصبح وجودها هو الفناء عن دنيانا و التلاشي عن عالمنا .
✍️ لكن حين تطرق العلم لواقع الموت لم تتورع يد الفلسفة للأخذ بيده للسمو عن الحقيقة المادية و الانطلاق بها الى أرجاءً من الكون حيث التأمل و التفقه و الاستبصار ، فقد حلقت الحكمة الفلسفية بواقع الموت و حقيقته إلى حيز التعالى حيث الروح أو النفس عن النظرة المتدنية للجسد البهيمى و المتأرجح بين غرائزه و شهواته و احتياجاته الدنيوية إلى ذات تلك النفس الحية و ما تكمنه من حياة و وجود و معنى . فالموت فى نظرتها يتطوق فى أن الجسد المادى نهايته الفناء، أما النفس أو الروح الكامنة بهذا الجسد فمصيرها الخلود ، فمن حيث الميلاد فهى أسبق فى وجودها من الجسد ، و من حيث المآل فهى خالدة ، تأتى فى رحلتها إلى عالمنا لتستقر فى جسدنا المادى المعقد بأجهزته العضوية لتمنحه الحياة و العقل و الإرادة الحرة ، وفى انطلاقها من هذا الجسد المهيأ لها إلى حيث جاءت يمسى ذلك الجسد هو و تراب الارض سواءً .
* و هكذا كانت نظرتا العلم و الفلسفة إلى واقعية الموت و كنهه ، ماهيته و ما يستتر وراءه من أسرار .
✍️ هذا و إن كانت حقيقة الموت تحبو فى إطار العلم ، و ترقى فى حيز النظرة الفلسفية ، فإنها تصل إلى الكمال من حيث حقيقته و كنهه المتمحورة فى البصيرة الدينية له . حيث خلق الله الروح و النفس معا و هيأ لهما جسداً مادياً ، جبله من تراب الارض ، هما كامنان بين طياته لهبة الحياة و الشعور لذلك الجسد ، و عند إ انطلاقهما إلى حيث تواجدا ، تخبو الحياة عن هذا الجسد المادى الترابى ليفنى بالأرض من حيث تشكل و تكوَّن و جاء ، بينما يذهب الروح و النفس إلى رحاب الخلود حيث العذاب لاقترافهما الآثام ، أو النعيم لاستحسانهما الخير حين استقرا بالجسد ، و بينما تعطى الروح الخلود فهكذا تعطى النفس المشاعر ، ليتوطنا بذلك أبديـًا فى عالم الروح بعد انخلاعهما عن اللحم و الدم .
✍️ أما تجرد نظرة الملاحدة لحقيقة الموت فتتمحور فى أن الإنسان لا يعدو كونه آلة انحدرت تطورًا من الحيوان وحيد الخلية و ارتقى نوعـًا إلى أن صار إنسانًا ، و بموته تتعطل تلك الآلة حيث تسكن أبداً برحم العدم ، و تنام قريرة العينين بأحشاء الاندثار و اللاوجود .
🌱 هكذا و من خلال تلك الجولة البانورامية بين العلم و الفلسفة و الدين و النظرة الإلحادية للموت ؛ يتضح لنا جليا حقيقة الموت و واقعيته ، رهبته و تأثيره ، قسوته و بطشه ، قوته و بأسه ، جبروته و سلطانه ، عنفوانه و شبابه المتجدد ، ماهيته و كونه من حيث المعرفة البشرية و الحقيقة المطلقة له . الموت !!!