سمير مرقص
(1) «التصدع والصراع»
فى دراسة لنا عن فترة رئاسة ترامب أو ما أطلقنا عليها «الزمن الترامبى»، أشرنا إلى أن هناك حالة متشابكة من التصدع والصراع تجتاح المجتمع الأمريكى، حيث يتقاطع التصدع القومى: الإثنى واللونى والعرقى مع الصراع الطبقى، والاقتصادى، والاجتماعى، والسياسى. وأن من يراجع واقعة مدينة «شارلوتسفيل»، المدينة الجامعية التى تجمع بين عديد ألوان الطيف وتعكس روح أمريكا «البوتقة» سوف يدرك هذا التقاطع بجلاء. فلقد جرت تلك الواقعة سنة 2017 وقام أحد الذين ينتمون إلى من سميناهم جماعات «الكراهية البيضاء» بقتل إحدى الطالبات دهسًا بسيارة كان يقودها. ردًا على موقف المدينة التى عُرفت بأنها ضد القادة التاريخيين الذين ينادون بالانفصال ومنحازون إلى استعباد الملونين. وقلنا آنذاك إن ردة فعل الطلبة تعكس صراعًا مركبًا: لونيًا وطبقيًا، وإن ردة الفعل الطلابية بمثابة تجدد للحيوية المواطنية الطلابية التى عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية مطلع الستينيات فى سياق الحركة المدنية الأمريكية. وأشرنا آنذاك إلى مدى «الانقسام» المجتمعى الحاد الذى طال الولايات المتحدة الأمريكية، ويمثل «ارتدادًا» للإنجازات التى تم اكتسابها نتيجة لنضالات حركات الحقوق المدنية التى انطلقت فى الستينيات، وتحديدًا فى عام 1964، أى قبل ستين عامًا، وإن ما يجرى فى الحرم الجامعى لما يقرب من أربعين جامعة من جامعات الولايات المتحدة الأمريكية الآن ما هو إلا حلقة نضالية مواطنية أخرى فى سلسلة النضالات المواطنية الطلابية الأمريكية.
(2) «1964 الانطلاق الشرعى
للمواطنية الطلابية الأمريكية»
يعتبر المؤرخون سنة 1964 بداية انطلاق الحركة الطلابية الاحتجاجية (المواطنية الطلابية)، وتحديدًا مع التعديل الرابع والعشرين لدستور الولايات المتحدة الأمريكية، الذى تم إقراره فى يناير 1964، والذى نص على ما يلى: «لا يجوز إنكار أو الحد من حق مواطنى الولايات المتحدة فى انتخاب الرئيس، أو نائب الرئيس، أو أعضاء مجلس الشيوخ، أو ممثلى الكونجرس فى أى انتخابات أولية أو غيرها من قبل الولايات المتحدة أو أى ولاية فيها بسبب عدم دفع ضريبة التصويت أو أى ضريبة أخرى». إذ مثل هذا التعديل أول تعديل جدى فى هذا المقام منذ عام 1919 الذى أقر بالمساواة الجنسية فيما يتعلق بحق التصويت من جهة. كما وفر هذا التعديل مشروعية الحراك الطلابى من أجل المساواة التامة الفعلية على أرض الواقع بين الأمريكيين لممارسة حقوقهم بأنواعها بغض النظر عن أى اختلاف. لا يعنى ذلك أنه لم تكن هناك حركة طلابية قبل ذلك، بيد أن ذروة حضورها، كقوة فاعلة قادرة على التأثير ومن ثم التغيير، تبلورت مطلع الستينيات من القرن الماضى. (يمكن مراجعة أحد أهم المراجع فى هذا الشأن المعنون: الاحتجاج الطلابى: الستينيات وما بعدهاـ 1998). ويُرجع أحد الباحثين سبب بلوغ الاحتجاج الطلابى ذروته مطلع الستينيات إلى فترة رئاسة «جون كينيدى»، التى لم تكتمل لاغتياله، والتى كثر فيها الحديث عن المساواة الاجتماعية ببعديها: الاقتصادى، والثقافى. وكيف أن المعضلات الاجتماعية يمكن علاجها من خلال ما كان شائعًا آنذاك فى الخطاب السياسى الأمريكى: الرأسمالية الديمقراطية، وهو الخطاب الذى واصله نائبه الذى حل محله عقب الاغتيال فى 1964 «ليندون جونسون» وعمل على صياغة الأفكار «المساواتية» فى برنامج عنوانه: المجتمع الكبير/ العظيم Great Society؛ كان هدفه القضاء على الفقر، واللا مساواة، والظلم الاجتماعى بأنواعه. وهو البرنامج الذى طرحه على الأمريكيين لأول مرة- وليلاحظ القارئ الكريم الاختيار- فى تجمع طلابى بجامعة أوهايو. وبعد إخضاع البرنامج المقترح للنقاشات فى الأوساط الطلابية تمت تعديلات جوهرية أخد بها «جونسون» فى مؤتمر سياسى لاحق فى جامعة «ميتشجان».
(3) «الطلبة كقوة فاعلة»
أدركت الإدارة الأمريكية مبكرًا أن «الطلبة هم من أكثر الفئات الاجتماعية حيوية وحركة وفاعلية ووعيًا» فى المجالين المدنى والسياسى. لذا عُنى «جونسون» بأن يكسب ثقتهم وتأييدهم ما أعطى الشرعية لهذه القوة فى أن يكون لها رأى مؤثر على مجريات العمل السياسى الأمريكى الذى كان يتسم بالتعالى على المواطنين ومن ضمنهم الطلبة. إذ لم تكن الإدارة الأمريكية تلتفت إلا لأصحاب «الكرتلات» الكبيرة ومصالحهم. إلا أنه وبمرور الوقت لم يعد الالتحاق بالجامعات محصورًا بين أبناء النخبة الرأسمالية والبيضاء ذات الجذور «الأنجلوسكسونى» وإنما اتسعت دائرة الالتحاق بالجامعات لكثير من شرائح المجتمع التى ذهبت للجامعات تحمل هموم الطبقات والبيئات والولايات التى تنتمى إليها. أخذًا فى الاعتبار، أنه فى هذا السياق وُلدت حركة اليسار الجديد فى أمريكا وهى الحركة ذات الخطاب النقدى للسياسات الأمريكية، وغلق الطريق الحزبى على كثير من الشباب... نواصل.
نقلا عن المصرى اليوم