باسر أيوب
من الطبيعى أن يخضع كريستوفر جريجور للمحاكمة لأن القانون يحاسب أى متهم بقتل طفل لكن ليس هناك قانون يحاسب الذى يسرق من أى طفل براءته وطفولته أو رغباته وأحلامه.. ففى ولاية نيوجيرسى الأمريكية بدأت هذا الأسبوع محاكمة كريستوفر متهما بقتل ابنه الصغير كورى الذى لايزال فى السادسة من عمره.. فقد لاحظ كريستوفر وزن ابنه الزائد فقرر اصطحابه كل يوم لإحدى الصالات الرياضية وإجباره على الجرى أوقاتا كثيرة وطويلة للتخلص من هذا الوزن الزائد.. ولم يقبل الأب مطلقا اعتراض الطفل أو شكواه من التعب والوجع.. وحتى حين كان الطفل يسقط على الأرض من فرط التعب.. كان الأب بمنتهى القسوة يعيده بالقوة ليجرى على المشاية من جديد.. ولم تكن الأم قادرة على منع كل ذلك حيث انفصل الزوجان وبقى الطفل يعيش وحده مع أبيه..
وفى أحد الأيام استيقظ الطفل الصغير يشكو الغثيان والتشنج ولعثمة الكلام فجرى به الأب إلى المستشفى لكن مات الطفل.. وبدأت محاكمة الأب بعد القبض عليه متهما بالقسوة والإهمال والتسبب فى قتل ابنه.. والاستثناء الوحيد فى هذه الحكاية هو الموت.. أما ما عدا ذلك فهى حكاية متكررة وحاصلة طول الوقت حتى هنا فى مصر.. حيث يحرص الأب أو الأم على إجبار الأولاد على الرياضة لأسباب مختلفة.. وإذا كانت كرة القدم جعلت عائلات كثيرة تراهن على مستقبل أفضل حين يكبر الصغير ويصبح مثل محمد صلاح بثروته قبل شهرته.. فانتشرت مدارس وأكاديميات بيع الوهم الكروى سواء الأنيقة الفخمة حاملة الأسماء الأجنبية.. أو المتواضعة التى تقتصر على استنزاف أموال بسطاء وحتى فقراء يشترون وهم أو حلم محمد صلاح أو أى لاعب فى مصر يتقاضى الملايين سنويا.. فهناك أيضا مدارس الألعاب الأخرى ودروسها الخصوصية التى يتعلم فيها الأبناء مختلف الألعاب سواء لمجرد الوجاهة الاجتماعية والتباهى بذلك أمام الآخرين وأبنائهم.. أو اعتقادا بأن اللعب ضامن وحيد للوقاية من الانحراف.. أو الحصول على درجات الحافز الرياضى فى الثانوية العامة.. ولا يهتم معظم هؤلاء بمعرفة إن كان أبناؤهم يملكون موهبة رياضية أم لا.. ولا يهتمون أيضا بميول أبنائهم وهل يحبون الرياضة بالفعل أو لهم اختيارات وهوايات أخرى فنية وأدبية أو علمية.. وفى سبيل الحرص على نجاح أولادهم رياضيا قد لا يمانع كثيرون من التحايل والغش واستخدام النفوذ أو المال كأنهم يعلمون صغارهم فى بداية حياتهم أن كل شىء مباح مقابل تحقيق الأهداف والتفوق على الآخرين بأى ثمن ويغرسون تحت جلود الصغار كراهية كل من ينجح حتى لو كان يستحق.. وللأسف ليس هناك قانون يحاكم كل من يقومون بذلك.
نقلا عن المصرى اليوم