منى أبوسنة
الغاية من هذا المقال الجواب عن أسئلة ثلاثة:
من هو الطفل وما الطفولة؟

كيف نفهم الطفل وكيف نتعامل معه؟

كيف يمكن غرس هذا الفهم فى وسائل الإعلام؟


إن مفهوم الخيال، عند علماء النفس المعاصرين، يدور على فكرتين متناقضتين؛ فالإنسان فى رأيهم هو الكائن الوحيد الذى يتميز بالقدرة على الخيال. ومع ذلك فإنه ليس فى الإمكان دراسة الخيال دراسة تجريبية. فكتاب ولمان ١٩٨٢ بعنوان «علم نفس النمو» يخلو من مدخل إلى الخيال وكتاب جريجورى بعنوان «مرشد أكسفورد إلى العقل» يخلو كذلك من مدخل إلى الخيال، وكل ما هنالك فصل عن «المدرسة المبدعة» فى أمريكا، وهو أقرب موضوع إلى الخيال.

إن غياب البحوث العلمية عن الخيال فى علم النفس مردود إلى سببين: السبب الأول أن علم النفس التجريبى قد اهتم بالعمليات الحسية والتعلم. والسبب الثانى أن البحوث الخاصة بالإبداع، إما يتم إجراؤها فى إطار الذكاء أو فى إطار علم النفس المرضى. ومن هنا كان ارتباط الإبداع بالجنون.

ومع ذلك حاول بعض علماء النفس المعاصرين تجاوز هذين السببين حينما انشغلوا بدراسة وتحليل العوالم الخاصة المتخيلة من قبل الأطفال.

وبناء عليه خلص بعض علماء علم النفس من دراسة دور الخيال فى نمو الطفل إلى رصد بعض السمات الشخصية التى تميز الأطفال القادرين على إنتاج الخيال وهى على النحو التالى:

قدرة أكبر على التركيز، أقل عدوانية، قدرة على الاستمتاع بما يقومون به من أعمال أكبر مما لدى الأطفال قليلى التخيل. كما أن الأطفال الذين يتمتعون بدرجة عالية من التخيل، بالمقارنة بأطفال آخرين، قادرون على اكتساب مهارات اجتماعية ومعرفية، ويستطيعون التمييز بين الخبرات الداخلية والخارجية، وقادرون على تعلم تنظيم المعلومات، ومن ثم يصبحون أكثر قدرة على التأمل كما يصبحون أكثر حساسية تجاه الآخرين.

كما يجدر التنويه إلى أن معظم الدراسات أكدت أن قدرة الطفل على الخيال تبدأ فى سن الثانية وربما قبل ذلك. كما تؤكد هذه الدراسات أيضا أن الطفل ليس منغلقا على ذاته، وأن الآخر كامن فيه منذ طفولته المبكرة. ويشهد على ذلك قدرة الطفل على إبداع العوالم الخيالية. وعلى الرغم من أن هذه الدراسات التى تبرز دور الخيال تؤكد أن الطفل ليس سلبيا فى تعلمه من خلال الخبرات الحسية، إلا أنها لا تبين العلاقة بين الخيال والمستقبل.

والسؤال الآن: إذا كان هذا حال علم النفس، فهل من الممكن طرح مفهوم واضح ومحدد للخيال مع ربطه بالإبداع؟

الجواب بالإيجاب بشرط التركيز على قدرة الطفل على التجاوز باعتبارها وسيلة ضرورية للإبداع، ومع الأخذ فى الاعتبار أن الوسيلة التى مارس بها العقل قدرته على التجاوز هى الخيال.

ومن ثم يصبح الخيال هو الوسيلة لتحقيق الإبداع ولتأكيد فاعلية العقل. وعندما يمارس العقل فاعليته ينتج عن هذه الممارسة ما يسمى بالرؤية المستقبلية. وإذا ربطنا بين الخيال والرؤية المستقبلية والقدرة على تحقيق هذه الرؤية يصبح الزمن عاملا هاما من عوامل الخيال، وتأسيسا على هذا يكون الإنسان المبدع، أو بالأدق الطفل المبدع، هو القادر على ربط الخيال بالمستقبل وليس بالماضى، والإلحاح على المستقبل ضرورى لسبب رئيسى هو تغيير الواقع، وهو شرط جوهرى من شروط الإبداع.

وتأسيسا على مفهوم الإبداع فى علاقته بالخيال، بمعنى تأسيس رؤية أو عدة رؤى مستقبلية، فإنه من الممكن تعريف الطفولة على أنها الفترة التى يصوغ فيها الإنسان رؤيته المستقبلية من خلال الخيال بشرط أن تكون هذه الرؤية قابلة للتحقق. أما إذا انتفى شرط قابلية تحقق الرؤية المستقبلية، فإن إبداع الطفل سريعا ما يتضاءل وينتهى، أو فى بعض الأحيان يتحول إلى إبداع مرضى أو باللغة الدارجة إلى جنون.

إن قابلية تحقق الرؤية المستقبلية يضمن دوام الإبداع ويحوله إلى أسلوب حياة وأسلوب تفكير حتى يصل الطفل إلى مرحلة النضج. وفى هذه الحالة يصبح الطفل بحق حيوانا مبدعا، ويصبح قادرا على ممارسة إنسانيته من خلال تأسيس رؤى مستقبلية وتحقيقها.

وللحديث بقية.
نقلا عن المصرى اليوم