القمص يوحنا نصيف
    + بما أن الكلمة وهو صورة الآب، وهو غير مائت، قد اتّخَذَ صورة عبد، وكإنسان عانى الموت بجسده من أجلنا؛ فلكي بذلك يبذل نفسه للآب بالموت من أجلنا.

    + لأجل هذا السبب يُقال عنه إنّه كإنسان مُجِّدَ أيضًا نيابةً عَنّا ومِن أجلنا، لكي كما بموته قد مُتنا جميعًا في المسيح، وعلى نفس المنوال أيضًا، فإنّنا في المسيح نفسه أيضًا قد مُجِّدنا مَجدًا عاليًا، مُقامين من بين الأموات وصاعدين إلى السموات "حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا" (عب20:6)، "لا إلى أقداس أشباه الحقيقة، بل إلى السماء عينها ليُظهَر الآن أمام وجه الله لأجلنا" (عب34:9)

    + فإن كان المسيح قد دخل الآن إلى السماء عينها لأجلنا، رغم أنّه من قَبل هذا الحدث، كان هو دائمًا الربّ وخالق السموات، فتبعًا لذلك تكون هذه الرفعة الحالية قد كُتِبَت أيضًا من أجلنا نحن.

    + وكما أنّه وهو الذي يُقدِّس الجميع، يقول أيضًا أنّه يقدِّس نفسه للآب من أجلنا، ليس بالطبع لكي يكون اللوغوس مقدّسًا، بل لكي بتقديس ذاته يُقدِّسنا جميعًا في ذاته. وهكذا بنفس المَعنى ينبغي أن نفهم ما يقال الآن أنّه "تمجّد". ليس لكي يُمَجَّد هو (أي اللوغوس) نفسه -إذ أنّه هو الأعلى- بل لكي هو ذاته "يصير بِرًّا" من أجلنا، أما نحن فلكي نتمجّد (نُرَفَّع) فيه، ولندخل إلى أبواب السماء، التي قد فتحها هو ذاته من أجلنا، حيث يقول السابقون "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعي أيّتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد" (مز7:34). وهنا أيضًا لم تكن الأبواب مغلقة أمامه هو، إذ هو ربّ وخالق كلّ الأشياء، بل بسببنا كُتِبَ هذا الكلام، نحن الذين أُغلقَتْ أمامنا أبواب الفردوس.

    + لذلك يُقال عنه من الناحية البشرية، بسبب الجسد الذى كان قد لبسه: "اِرفعوا الأبواب"، كما يُقال أيضًا: "ليَدخُل" كما لو كان إنسانًا سيَدخُل. ولكن من الناحية الإلهية، حيث إنّ "اللوغوس هو الله"، يُقال عنه أيضًا إنّه "الرب" و"ملك المجد" وقد سَبَق الروح فقال في المزمور التاسع والثمانين عن مِثل هذه الرِّفعة التي صارت إلينا "وببرّك يرتفعون، لأنك أنت هو فخر قوتهم، وبرضاك ينتصب قرننا" (مز89: 16-17)، فإنْ كان الابن هو البِرّ، إذن فهو لم يرتفع بذاته كما لو كان في حاجة إلى الرِّفعة، بل نحن الذين ارتفعنا (تمجّدنا) بسبب البرّ الذي هو (المسيح) ذاته.

    + كما مات المسيح ثمّ رُفِعَ كإنسان، فبالمِثل قيل عنه إنّه أخَذَ كإنسان [أخذ لطبيعتنا البشريّة] ما كان له دائمًا كإله، وذلك لكي تَصِل إلينا عطيّةٌ مثل هذه النعمة؛ فإنّ اللوغوس لم يُحَطّ قدره باتّخاذه جسدًا.. بل بالأحرى فإنّ الجسد الذي لبسه قد تَأَلّه؛ بل وأكثر من ذلك، فقد أنعَم بهذه النعمة على جنس البشر.

    + لأنّ مجد الله الآب هو: أن يوجَد الانسان الذى كان قد خُلِق ثم هلك، وهو: أن يحيا الذي مات، وهو: أن يصير الانسان هيكل الله. ولأنّ القوّات السمائيّة من ملائكة ورؤساء ملائكة كانت تعبده دائمًا، فإنّهم الآن أيضًا يسجدون للرب باسم يسوع، فهذه النعمة وهذا التمجيد العالي إنّما هو لنا.

    + لذلك لن تُدهَش القوات السمائية حينما ترانا نحن جميعًا، المتّحدين معه في نفس الجسد، داخلين إلى مناطقهم (السمائية)؛ وهذا قَطْعًا، لم يكن ممكنًا أن يحدث بأيّة طريقة أخرى، إلاّ إذ كان هذا الذي كان موجودًا في صورة الله، قد اتّخذ لنفسه صورة العبد، وأذلّ ذاته، راضيًا بأن يَصِل جسده حتى إلى الموت.
    + بسبب علاقتنا بجسده، فقد صِرنا نحن أيضًا هيكل الله، وتبعًا لذلك قد جُعِلنا أبناء الله، وذلك حتّى يُعبَد الربّ فينا أيضًا، والذين يُبصِروننا يُعلِنون، كما قال الرسول: "أنّ الله بالحقيقةِ فيكم" (1كو14: 25).. إنّنا نُمَجَّد بسبب وجود الربّ العالي فينا.

    + فلو لم يكُن الربّ قد صار إنسانًا، لَمَا كان في وِسعِنا أن نُفتَدَى (نتحرّر) من الخطيّة، وأن نقوم من بين الأموات، بل لبقينا أمواتًا تحت الأرض، ولَمَا كُنّا لنُرفَع (لنُمَجَّد) إلى السماء، بل لرقدنا في الجحيم.

[عن المقالة الأولى للقدّيس أثناسيوس ضد الأريوسيّين (41-43) – إصدار المركز الأُرثوذكسي للدراسات الآبائيّة – ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد وآخَرون – مراجعة الدكتور جوزيف موريس فلتس]

القمص يوحنا نصيف
مايو 2024م