اليوم تحتفل الكنيسة بتذكار نياحة قداسة البابا يوأنس الحادي عشر الـ ٨٩ (٩ بشنس) ١٧ مايو ٢٠٢٤
في مثل هذا اليوم من سنة 1168ش. (4 مايو سنة 1452) تنيح قداسة البابا يؤنس الحادي عشر البطريرك الـ(89) بعد نياحة البابا غبريال الخامس كان يسوس إدارة الكنيسة راهب من دير طره يدعى ميخائيل، وكان يؤيده الكثيرون لنوال البطريركية، لكن إرادة الله سمحت أن يختار القس الأسعد أبو الفرج بطريركًا و كان كاهنًا لكنيسة أبي سيفين بدرب البحر بفسطاط مصر، وكان مشهورًا بالفضيلة والعلم ويقوم بالتدريس في مدرسة قبطية عظيمة بالمكس. وتمت رسامته كالعادة بالإسكندرية في مايو 1427 م. بعد أربعة أشهر من نياحة سلفه، وكان معاصرًا الأشرف برسباي المملوكي.
وبالرغم من هدوء الأحوال السياسية إلا أن مصر واجهت في عهده أزمات اقتصادية صعبة نتجت عن انخفاض مياه النيل وحدوث زلزال مدمر وتفشي وباء الطاعون.
و من الأحداث الهامة في حبريّة هذا البابا أن زار مصر البطريرك الأنطاكي سنة 1430 م.، وصلى الاثنان قداسًا حبريًا كأعضاء كثيرون في جسد المسيح الواحد. واستجاب البابا القبطي لمطالب أخيه الأنطاكي وبدأ صلوات تكريس الميرون المقدس لتحصل إنطاكية على احتياجاتها منه.
في أيام البابا يؤانس الحادي عشر اجتهد ملوك الإفرنج وعلى رأسهم ملك القسطنطينية على إيجاد اتحاد بين مسيحي الشرق والغرب. بعد تفكير طويل استقر الرأي على عقد مجمع بمدينة فلورنسا لهذا الهدف، يحضره أسقف روما وبطريرك القسطنطينية وغيرهما من نواب الشعب الأرثوذكسي. أرسلت الكنيسة القبطية نائبًا من قبلها لحضور المجمع يُدعى يوحنا، وهو رئيس دير الأنبا أنطونيوس لكنه وصل فلورنسا بعد انفضاض المجمع. وكانت نتيجة المجمع عودة الاتحاد بين كنيستى اليونان والرومان وعاد رؤساء الكنائس إلى بلادهم بنية الاجتماع مرة أخرى، لكن لم يتحقق الاتحاد الذي سعى إليه الملوك لأن طلبات أسقف روما تجاوزت الحدود.
ادعى البعض أن إرسال مندوب من مصر يعني خضوع الإسكندرية لبابا روما. تُعلق المؤرخة الإنجليزية بوتشر على ذلك بقولها: "ولكني أقول أنها لو كانت خاضعة له من قبل كما يقولون لما كان يعين بطريركًا خاصًا له في إيبارشية الإسكندرية ذاتها التي فيها البطريرك القبطي مما يثبت صحة الانفصال وعدم الخضوع..."
و من ناحية الدولة أصدر أحد شيوخ المسلمين فتوى بضرورة الكشف على الكنائس وهدم ما أُضيف إليها وجُدِد فيها، وبالفعل أُغلِقت بعضها لحين التحقيق ومن نعمة الله أن أعيد فتحها.
ثم دَعَى السلطان المملوكي إلى مجلس من شيوخ المسلمين والبطريرك القبطي ورؤساء الطوائف اليهودية في مصر، وألزموهم إلزامًا شرعيًا بعدم تجديد كنيسة أو دير أو صومعة أو معبد......!
و حاول ملك أثيوبيا مطالبة السلطان المملوكي بمعاملة القبط في مصر كما يتعامل المسلمون في بقاعهم، ودلل على ضيق القبط وقتلهم وصعوبة أدائهم الشعائر الدينية، مما ضايق السلطان المملوكي ظنًا أن القبط شكوا له سوء أحوالهم والعجيب أن السلطان المملوكي لم ينفِ ما قيل بل اتهم القبط بالتشهير، وقبض على البابا وأمر بضربه ضربًا مبرحًا. ولما تأخر الوفد المملوكي لدى ملك أثيوبيا الذي سجنهم، قبض السلطان على البابا وألزمه بالكتابة لملك أثيوبيا يطالبه بسرعة إعادة الوفد وإلا قضى السلطان المملوكي على القبط، فماطل الملك الأثيوبي ثم أعاد الوفد، فقبض السلطان على البابا ثالثة وأمر بضربه وسجنه والزمه إلا يرسم مطرانًا أو أسقفا أو كاهنًا لأثيوبيا إلا بعد الرجوع إليه، وحذره إن لم ينفذ الأمر سيضرب عنقه، وشهد شيوخ المسلمين للمذاهب الأربعة على الحكم. و بالتالى كان موقف السلطان مشجعًا للرعاع للتشبث بمعاداة القبط، وحدثت أحداث مؤسفة كثيرة راح ضحيتها كثيرون.
ولم يقف السلطان المملوكي عند هذا الحد بل أصدر أمرًا ألا يُعالِج الأطباء القبط واليهود المسلمين، وإن رفض عقلاء المسلمون تنفيذ ذلك لثقتهم في أمانة ومهارة القبط، كما أمر القبط ألا يستخدموا جاريات مسلمات.
وكأن السماء (واقفة) للسلطان المملوكي بالمرصاد، فنضب نهر النيل وساد الكساد، ودعى السلطان للصلاة في كل مكان ولا مجيب، فاستمال القبط للصلاة، فدعى البابا للصلاة من أجل العباد والبلاد، ففاض النيل في زمن الانحسار.
غير انه لم يكتفِ السلطان بما فعله بالبابا والقبط بل وأصدر أمرًا آخرً بطرد القبط من مناصبهم وإبقاء من أعلن إسلامه منهم، فتحوّل كثيرون ممن استهوتهم المناصب الأرضية إلى غير دين المسيح وجحدوا الإيمان، ولم ينقذهم ذلك من غضب السلطان فصادر الأموال وبدد الشمل.
على أن الله لا يترك نفسه بلا شاهد في أي زمان أو مكان، وكأن الضيقة سمة أساسية من سمات الفرح في المسيحية، فظهرت المدائح والترانيم وانتظم الشعب في الاجتماعات والوعظ، وجال الأساقفة مع الكهنة يشددون من أزر القبط ويرفعون الصلوات. ووسط هذا وذاك لبّى البابا نداء السماء في 4 مايو سنة 1452 م.، في سلطنة فخر الدولة عثمان بن القائم بأمر الله الملقب بالمنصور، ودفن في دير الخندق (أنبا رويس الآن) إلى جوار البابا متاؤس الأول. وجلس علي الكرسي مدة 24 سنة و11 شهرا و23 يوما.
بركه صلاته تكون معنا كلنا امين...
و لالهنا المجد دائما ابديا امين...