سامح فوزي
  فى ندوة نظمها المجلس الأعلى للثقافة لشباب الجامعات حول الهوية فى ظل مستجدات العصر، أدارها الدكتور محمد أحمد مرسى، وتحدث فيها عدد من الأكاديميين والخبراء، وقد فضلت أن يكون اقترابى فى الحديث إنسانيًا، دون تجاوز البعد الوطنى.

أحد أهم الإشكاليات - فى رأيى- التى تواجه الشباب هى تهديد هويته الإنسانية. بالطبع من الضرورى أن نتحدث معه عن هويته الوطنية، والتحديات التى تواجهها فى الوقت الراهن، لكن يجب ألا نغفل أن هويته الإنسانية ذاتها تواجه تحديات إذا سادت، وفرضت سيطرتها، ستؤدى إلى إضعاف الوطن، بوصفه المجال الحيوى الأساسى لالتقاء المواطنين، ونجد وطنًا مفككًا اجتماعيًا وثقافيًا، حتى وإن كان ملتحمًا سياسيًا.

يواجه الشباب تحدى المجتمع الاستهلاكى الذى جعل رفاهيته فى استهلاك السلع، وحول كل الظواهر من حوله إلى أشياء، تباع وتشترى وتقتنى، ويدفعه التفكير «المادى» إلى الاستهانة بكل ما حوله. فى حادث فتاة العريش، وجدنا كيف أن بعض زملائها تعاملوا معها بوصفها «مادة» للتنمر، وهو ما نشاهده فى مناسبات كثيرة.

وينغمس الشباب فى التحدى الإلكترونى، الذى يجعله مستغرقًا بالكلية فى العالم الافتراضى، وهو تحدٍ يواجه أجيالًا أخرى من الأطفال إلى الكهول، لكن بين هذا وذاك، يعانى الشباب فى هذا العالم الذى جعله أكثر فأكثر بعيدًا عن العلاقات الاجتماعية السوية. هذا ما أثبتته دراسات عديدة، ويكفى أن ثقافة «البلوك» أى إلغاء التواصل تمثل فى ذاتها علامة على الغاء الحوار والنقاش وبناء التفاهم بين الناس، يستخدمها الشباب على الفضاء الإلكترونى حين تضيق بهم التعاملات، لكنها تنسحب أيضًا إلى علاقاتهم الاجتماعية. ليس هذا فحسب، بل يمتلئ الفضاء الإلكترونى بكل صور التحرش، الدينى والثقافى والجنسى والسياسى، على نحو يجعل مرتاديه على درجة من التشوش والاضطراب، خاصة إن لم تكن لديهم مصادر أخرى فى التكوين الثقافى.

ويجد الشباب نفسه بين تحديات، لمستها فى نقاش الشباب أنفسهم، أبرزها الثقافة الوافدة التى تناقض الدين والتقاليد، مثل المثلية الجنسية، والصور الخاطئة فى العلاقات بين الجنسين التى تحملها الأعمال الدرامية، وغيرها. وسار حديث يطالب بالتدخل، والمنع، والحجب، وقد يكون ذلك مفيدًا إلى حين، لكن الأهم هو أن يكون لدى الشباب التكوين التربوى والفكرى الصحيح الذى يجعله يعرض عن تلك المظاهر السلبية بإرادته واختياره. هذا هو التحدى الأكبر، أن يتشكل الوعى الإنسانى الصحيح للشباب. بالطبع تكون للدين أهمية فى هذا التكوين، وهو ما يقوله الشباب أنفسهم، لكن أى تدين نعنى؟ هل تدين المتعبدين أم تدين المؤمنين، فقد يكون المجتمع متعبدًا من حيث الشكل، لكنه لا يجسد القيم الدينية فى حياته، وهو ما يجعله يرتبك تجاه أى متغيرات تحدث من حوله، ويفشل فى التعامل معها. هذه هى أزمة مجتمعنا، نتعبد، دون أن يكون لدينا الوعى الإيمانى تجاه ما يحدث حولنا. وفى عصر الذكاء الاصطناعى، كما شرحه فى تلك الندوة الدكتور هشام عزمى باقتدار وبساطة فى آن واحد، سوف تزداد الأسئلة الأخلاقية التى تبحث عن إجابات لن يجيب عنها سوى الشخص الذى لديه الوعى، والمعرفة، والإدراك الروحى العميق.

هل يتشكل الوعى الإنسانى لدى الشباب على هذا النحو؟ بالتأكيد هناك شباب مبهر، لكن هناك أيضًا قطاعات عريضة من الشباب تعانى من أزمة فكر، وأزمة فى الهوية الإنسانية. والشارع خير مثال.
نقلا عن الشروق