حمدى رزق

بتواضع، يقول الإمام الشافعى: «رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب»، وقاعدة الشيخ «رشيد رضا» حاكمة لفكرة الحوار عندما يستعر الخلاف: «نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه».

 

وعليه، أثمّن الروح الطيبة التى تسود منشورات الكبيرين، أسامة الأزهرى، ويوسف زيدان، (مع حفظ الألقاب)، بخصوص ما اصطلح على تسميته «المناظرة الكبرى» التى دعا إليها «الأزهرى»، ورد عليها بالقبول «زيدان».

 

المناظرة طرح طيب، ومقترح جرىء، لاختراق انسداد الأفق التى صاحب إعلان مؤسسة «تكوين الفكرى العربى»، لصاحبها يوسف زيدان وشركاه.

 

فرصة وسنحت لحوار صحى، لتجلية الأفكار التى شاهت وتشوهت، وانحرفت عن جادة الطريق تحت وطأة قصف (سلفى) مفرط يتمنطق بالتكفير والتفسيق، يشعلها نارا وقودها الناس والحجارة.

 

يطلبها الأزهرى بردا وسلاما، مناظرة (عامة) متلفزة (منشورة) على العامة قبل خاصتهم من المفكرين، ويفضلها زيدان مناظرة (مغلقة) على أطرافها فحسب، فى معزل عن الناس، أقرب لـ«ونسة» فكرية بعيدا عن الشارع وفى معزل عن الناس.

 

دخول صاحب العقل الراجح الدكتور «أسامة الأزهرى» على خط النار المستعرة بين جماعة «تكوين»، والجماعة (السلفية) ملتحفة بظهير شعبى عاطفى يدمدم غضبا، غاية المنى، سيما وأن «بيان الأزهرى» لا يصادر على المطلوب تكوينا، بل يفسح مجالا لمناقشة الأفكار المؤسسة لجماعة «تكوين» دون تفسيق أو تكفير أو تهم جزافية بالإلحاد.

 

فضلا.. قبول الدكتور «يوسف زيدان» لفكرة المناظرة ابتداء يمكن البناء عليه فى تهيئة مناخ صحى لتلاقح الأفكار، وحتى تصادمها، ورد الاعتبار لفكرة الحوار بالأساس، وهو مفتقد فى الأدبيات السائدة، والحوار فعل إنسانى رشيد وعاقل، يمحق الخوار (بالخاء)، والخوار للأسف يتردد صداه فى أجواز الفضاء الإلكترونى.

 

تحبيذا للفكرة، وتجلية للحوار الفكرى المنشود، مقترح من جانبنا وإسهام، يفضل مناظرة (علمية ليست فضائية)، يأمها المشتغلون بالفكر، مكانها حجرة درس، وتحتضنها مؤسسة تفكير، القضايا الشائكة والموضوعات الحساسة مكانها المؤسسات العلمية والفكرية حتى تنضج فى بيئة صحية (صوبة فكرية).

 

وأرشح «مكتبة الإسكندرية» لهذه المهمة الجليلة، وعلى رأسها مفكر مشهود له بالنزاهة، الدكتور «أحمد زايد»، فليدعُ سيادته المتناظرين إلى «سيمنار علمى» يحضره المختصون والمهتمون بقضية تجديد الفكر الدينى.. مثل هذه المناظرة فى محفل علمى تحتضنه مكتبة الإسكندرية بعظمة رسالتها الفكرية يرفد نهر الحوار الجارى بمدد ومعين لا ينضب، ويؤسس لمرحلة جديدة من عمر الحوار الفكرى فى المحروسة.

 

زمنا تقطع بين المفكرين الحوار، واستعر الخوار بين المختلفين، واغتيل على أثر الخوار الوحشى المفكرون، وذبح الروائيون، وجرى تكفير المجتهدين، ورمى المفكرون بتهم التشكيك والإلحاد والهرطقة وتاليا سجنهم وحرقهم فى الفضاء الإلكترونى كالساحرات الشريرات.

 

ذكريات عبرت، مرحلة وولت، الله لا يعودها، مستوجب تاليا تأسيس منبر للحوار الفكرى، الدولة بـ(مبادرة رئاسية) أسست «الحوار الوطنى» لاصطحاب الأفكار، كل الأفكار، وجمعها فى منير وطنى جامع، ينتج أثرا، أفكارا صالحة للإنبات والإزهار وتاليا الإثمار.

 

 

الحوار الوطنى نموذج ومثال للمنبر الوطنى الفكرى الجامع الذى يجمع المختلفين على كلمة سواء.. وفى الأخير، نستعير من شعر «قيس بن الملوح» بيتا بليغا «وَقَد يَجمَعِ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَ ما.. يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَلّا تَلاقِيا».

نقلا عن المصرى اليوم