ياسر أيوب
قبل أى حديث عن حرب بدأتها، منذ أيام، جورجيا ميلونى، رئيسة الحكومة الإيطالية، ضد الفساد الرياضى، لابد من التوقف أولًا أمام هذا الوهم، الذى نعيشه هنا فى مصر وفى بلدان أخرى كثيرة فى العالم الثالث ولافتة مزورة اسمها التدخل الحكومى.. فنحن بمنتهى الطيبة والسذاجة وقلة الحيلة صدقنا أكذوبة التدخل الحكومى، وباتت لجنتنا الأوليمبية واتحاداتنا وأنديتنا ترى نفسها فوق القانون وأقوى من الحكومة.. وحين ترى الحكومة أخطاء لابد من إصلاحها وفسادًا لابد من مقاومته، وتبدأ تحاول ذلك.. تُصاب يدها بالشلل حين ترتفع لافتة التدخل الحكومى وتهديد مزعج بإيقاف النشاط الرياضى فى مصر..
ورغم قوة أندية إيطاليا، فإن ذلك لم يمنع رئيسة الحكومة من تشكيل لجنة ستراقب السياسة المالية لهذه الأندية والتأكد من صحة وسلامة الإنفاق وعدم التلاعب أو التحايل فى حسابات المصروفات أو الإيرادات.. ولن يستطيع أى نادٍ إيطالى أن يهدد «ميلونى» ويرفع فى وجهها لافتة التدخل الحكومى أو يزعم ويصرخ بأن الحكومة ليس من اختصاصها مراجعة حسابات الأندية.. والشىء اللافت للانتباه، وربما للاستغراب أيضًا، أن حكومة إيطاليا ستقوم بذلك مع أندية خاصة لا تملكها الدولة، ورغم ذلك ستراجعها الحكومة رفضًا للفساد وضمانًا للنزاهة والعدالة.. وسبقت إسبانيا إيطاليا حين شكلت الشهر الماضى لجنة للإشراف على اتحاد الكرة الإسبانى، بعدما تكشفت وقائع فساد وقرارات اتخذها مسؤولو الاتحاد لتحقيق مكاسب شخصية وخاصة بعيدًا عن مصلحة الكرة الإسبانية.. ولم يجرؤ مسؤولو الاتحاد الإسبانى على تهديد حكومتهم باللجوء إلى الاتحاد الأوروبى و«فيفا» والصراخ بأن الحكومة استولت على اتحاد الكرة وأفقدته استقلاليته.. وقد أرسل الاتحادان الأوروبى والدولى لكرة القدم يطلبان من الحكومة الإسبانية تفسيرًا لما جرى وما أسباب تشكيل هذه اللجنة..
وأوضحت الحكومة الإسبانية دوافعها ومخاوفها أيضًا التى احترمها الجميع، فالتزموا الصمت، وغرقت فى البحر كل لافتات التدخل الحكومى.. ولم ترتعش أيدى الحكومتين الإسبانية والإيطالية وقبلهما الحكومة الإنجليزية، التى تراقب كل شىء، ولا تسمح باستمرار أى فساد، ولا تزال تحقيقاتها مستمرة حتى الآن فى مخالفات مالية لنادى تشيلسى.. أما عندنا فى مصر.. فالحكومة دائمًا مرتعشة وخائفة، ولا يمكنها أن تجرؤ على محاسبة أى اتحاد أو نادٍ خوفًا من تهمة سابقة التجهيز، هى التدخل الحكومى وعقوبة سابقة التجهيز أيضًا هى تجميد النشاط الرياضى.. ولا أقصد أنه ليست هناك بالفعل تهمة حقيقية اسمها التدخل الحكومى.. لكن تسقط هذه التهمة حين تُجيد الحكومة إعلان مبرراتها بوضوح وثقة. وحين يتأكد المجتمع الرياضى الدولى أنها قرارات تم اتخاذها لمحاربة فساد لا أشخاص وأسماء بعينها.. فلا أحد سيجرؤ على حماية الفساد، إن ثبت أنه بالفعل فساد.
نقلا عن المصرى اليوم