القمص يوحنا نصيف
قراءة البولس هذا اليوم، هي جزء من حديث معلّمنا القديس بولس مع أهل تسالونيكي، والذي أوضح فيه أنّ غاية الإيمان المسيحي من خلال البشارة بالإنجيل هي اقتناء مجد المسيح، عندما قال: "يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمَحْبُوبُونَ مِنَ الرَّبِّ، أَنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ، بِتَقْدِيسِ الرُّوحِ وَتَصْدِيقِ الْحَقِّ. الأَمْرُ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ بِإِنْجِيلِنَا، لاقْتِنَاءِ مَجْدِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ." (2تسا2: 13-14).
هذه هي دعوة الله لنا.. فهو يدعونا لاقتناء مجده.. يا لها من كرامة عظيمة لنا نحن التراب والرماد!
في البداية، لنضع قاعدة بسيطة هي أنّنا عندما نسبّح الله ونمجّده في حياتنا، فإنّه يملأنا من مجده، وهذا ما نقوله في المزمور: "يمتلئ فمي من تسبيحك، اليوم كلّه من مجدك" (مز71: 😎..
لذلك أجمل ما نبدأ به يومنا هو أن نرفع المجد لله، وهذا ما تعلّمه لنا الكنيسة كلّ يوم في مقدّمة صلاة باكر، عندما نصلّي: "احفظنا ولنبدأ بدءًا حسنًا" وقد جاءت في النص الأصلي القبطي: "احفظنا ولنُمَجِّد تمجيدًا حسنًا".
من ناحيةٍ أخرى، إذ نواجه العالم والناس، فإنّهم يعرضون علينا مجدًا باطلاً مزيّفًا زائلاً.. يتمثّل أحيانًا في المديح الزائد، أو التعظيم بالألقاب، أو الإشادة بالإنجازات، ولكنّ السيّد المسيح علّمنا أن نرفض من داخلنا هذا النوع من المجد، عندما قال: "مجدًا من الناس لست أقبل" (يو5: 41)، بل ووبّخ اليهود قائلاً: "كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟" (يو5: 44).. فهُنا من الواضح أنّ قبول المجد الأرضي في القلب والسعي إليه يُدَمِّر الإيمان..
أمّا أولاد الله فيعرفون أنّ "مجد السماويّات شيء ومجد الأرضيّات آخَر" (1كو15: 40)، ويفهمون القيمة العظمى لمجد القيامة، الذي هُم مدعوّون لاقتنائه، لهذا فهُم يطلبون هذا المجد الإلهي من كلّ قلوبهم، ويظهر ذلك في سلوكهم بكلّ وضوح.. فنرى أنّ الذي يريد أن يقتني مجد ربنا يسوع المسيح:
1- ينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبع الربّ، ويتمسّك بالطريق الضيِّق عالمًا أنّه يؤدّي للمجد الأبدي.
2- يَسعَى لتمجيد الله في كلّ أعماله، قائلاً مع القدّيس يوحنّا المعمدان: "يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ" (يو3: 30).
3- يحبّ العطاء بسخاء في الخفاء، بل وأحيانًا يَقبَل سلبَ أمواله بفرحٍ عالِمًا أنّ له مالاً في السموات أفضل وباقيًا (عب10: 34).
4- لا يحبّ الأضواء، بل يعمل الخير للجميع في هدوء وبلا ضجيج.
5- يتحدّث عن الله وأعماله العظيمة، وليس عن نفسه وإنجازاته.. ويعطي الفرصة كاملة لله لكي يعمل فيه وبه، فيصير أداة بِرّ في يد الله (رو6: 13).
6- يضع أمام عينيه دائمًا مجد السماويّات، فتتضاءل أمامه كلّ أمجاد الأرض.
7- لا يهتمّ بتكريم الناس له، ولا يحبّ أن يمدحه أحد حتّى لا يضيع منه أجره السماوي، فلا يكون مِثلَ أناسٍ أضاعوا أنفسهم " لأَنَّهُمْ أَحَبُّوا مَجْدَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَجْدِ اللهِ" (يو12: 43).
8- يكون دائمًا شجاعًا في الحقّ، ولا يطلب أن يُرضي الناس على حساب الحقّ عاملاً بقول الرسول: "لَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ، لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لِلْمَسِيحِ" (غل1: 10).
9- يحبّ تنفيذ الوصيّة من كلّ قلبه، ويراجع سلوكه دائمًا على ضوئها، عالمًا أنّها الطريق للمجد.
10- يجاهد يوميًّا لتتميم الرسالة التي اختارها له الربّ يسوع، لكي يقول في نهاية رحلة حياته مع القدّيس يوحنّا المعمدان: "فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ" (يو3: 29).
القمص يوحنا نصيف
يونيو 2024