أحمد الخميسي
جمعتني جلسة مع بعض الأصدقاء كان من بينهم أدباء عرب. ولا أذكر عما كنا نتحدث حين مازحت أحدهم بقولي: " أنت معصلج ليه؟"، فالتفتت إلي روائية سورية وقالت ضاحكة باستنكار لطيف: " نحن نحب العامية المصرية لكن أنتم أحيانا تخترعون كلاما عجيبا. مثلا ما معنى معصلج هذه؟ "! صوب الآخرون أنظارهم إلينا بترقب.

قلت لها:" نفتح شبكة الانترنت ونفتش عن الكلمة في المعاجم". وظهر الفعل فصيحا على شاشات المحمول بين أيدي الجميع:" عصلج الشيء تعسر واشتد وصعبت معالجته"، واسم الفاعل منه " معصلج". إذن كانت كلمتى فصيحة وسليمة.

ما لا يعرفه البعض أن نحو تسعين بالمئة من كلمات العامية المصرية هي كلمات فصيحة مثل:  باس، يبوس، بوسة ( قبل)، خش الحجرة ( دخل)، زعل ( غضب أو حزن)، بص لي ( نظر إلي)، وخس الرجل( خف وزنه)، وحتى حين يردد شباب الجيل الحاضر وصفهم لفتاة بأنها" مزة " فإن الكلمة فصيحة وتعني الصفة الحسنة التي تميز الشيء عن غيره، وهي إذن فتاة مميزة، أو مزة.

وحين نقول باللهجة العامية : " هو فاكر الموضوع سبهلله " فإن الكلمة فصيحة ويقال : " جاء سبهللا أي لا يحمل شيئا معه، وفي الحديث: " لا يجيئن أحدكم يوم القيامة سبهللا " أي فارغ اليدين من عمل صالح.

ويمكن هنا أن نستشهد بقصيدة على اسم مصر لشاعر العامية الكبير صلاح جاهين حيث يقول : " على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء .. أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء"، وإذا دققت النظر في كلمات جاهين ستجد أن كل كلمة منها فصيحة! الأمثلة لا تنتهي، لذلك قال الشاعر الكبير فؤاد حداد إن العامية " بنت الفصحى".

في الكتابة الأدبية ظهر السؤال: هل نكتب باللهجة أم باللغة الفصيحة؟ وذات يوم حاول محمود تيمور تقديم إجابة حينما نشر قصصه مرة بالفصيحة وأخرى بالعامية! ثم توقف عن ذلك واعتمد الفصيحة لغته الأدبية. وقد وافق طه حسين وإن بتحفظ على إدراج كلمات عامية في القصص ما لم يجد لها الكاتب ما يقابلها في الفصيحة.

وقد نظمت عدة مرات " ورشة فن القصة القصيرة " وكنت أقول للزملاء المشتركين : فكر بالعامية .. واكتب بالفصيحة، أي أن عليك أن تنصت للجملة كما هي في العامية ولنقل جملة مثل : " أنا عاوز أشوفها "، وبعد ذلك افتح المعاجم فتعرف أن عاوز فعل فصيح، وأشوف طبعا فصيح. أيضا نحن نقول : " الولد بعزق فلوسه " ، دع الجملة ترد على خاطرك كما هي، ثم افتح المعجم ستجد أن بعزق فصيحة وكلمة فلوس أيضا. نقول " أعطاه زنبة " وكلمة زنبة في لسان العرب تعني قرصة، ونقول : " احتاج شوية فول" وكلمة شوية فصيحة.

القصد من موضوع التفكير بالعامية والكتابة بالفصيحة أنك تستحضر من ناحية روح العامية ومن ناحية تحافظ على سلامة الفصحى. والأمر هنا لا يتعلق بالكلمات فقط ، فقد كان يحيي حقي يستحضر حتى الصور والأمثال بالعامية ثم يصوبها، انظر مثلا قوله " تتباهى القرعاء بشعر ابنة أختها" وهي تعديل للمثل الشعبي، والقصد أن علينا أن نرى ما هو مشترك ، وأن ننفخ روح العامية في اللغة الفصيحة، نفكر بالعامية، ثم ننظر إلى أي مدى هذه العامية فصيحة.
نقلا عن الدستور