د. منى نوال حلمى
مقال الأستاذ/ طارق الحريرى، فى المصرى اليوم، السبت 25 مايو 2024، بعنوان «انتبهوا أيها السادة»، يثير القلق، والغضب. المعلومات التى ذكرها بالتفصيل، وحدثت بالفعل، فى محمية وادى دجلة، تؤكد أننا أمام خطر حقيقى، يستدعى التدخل السريع، لاستئصاله قبل أن يستفحل.

منذ أيام، جاء صحفى، إلى المحمية، برفقة رئيسة قسم الأخصائيين النفسيين، فى أحد المستشفيات المصرية الحكومية، من أجل مهمة علمية، خاصة بوظيفتها، فالمكان بيئة صحية هادئة تصلح لاستشفاء المرضى.

تقدم منهما موظف الإشراف (واحد من المطوعين)، وبعد أن أخذ تذاكرهما، سأل الصحفى اذا كانت المرأة برفقته، زوجته. فأجابوه: لا بل صديقة ونأتى كثيًرا المحمية، وقال لهما: أنتِ مسلمة غير محجبة، وأنت مسيحى، وده مينفعش، اتفضلوا اخرجوا من المحمية. جادلاه بأن هذا ليس من حقه. رد عليهما: «بعد الساعة الرابعة ممنوع لغير المتزوجين وهددهما أنه سوف يتحفظ على بطاقتيهما الشخصيتين إذا لم يخرجا سيلبسهما تهمة ويسجلها فى محضر».

يعبر الأستاذ/ طارق الحريرى، عن استيائه من هذه الواقعة، التى سبقتها وقائع مماثلة، حيث ينصب «المطوعون»، أنفسهم «شرطة خاصة» تقوم بالوصايا الدينية، والتفتيش عن تطبيق شرع الله، واقتحام الخصوصيات فى الأماكن العامة، موضحا أنها ظاهرة، اختفت من العالم العربى، ووصلت إلى مجتمعنا.

أقرأ المقال، غير مصدقة أن هذا يحدث فى مصر. هل تحولت محمية وادى دجلة، إلى «ولاية» دينية، أو «إمارة» إسلامية، بدون علم أو موافقة الشعب المصرى، الذى نزل 30 يونيو 2013، بالملايين فى أضخم ثورة شعبية، ليؤكد على تشبثه بالدولة المدنية، وأن الحكم الدينى، مطرود، بلا رجعة.

ما هذا الانتهاك الصريح الفج العلنى، فى وضح النهار، لخصوصيات المواطنين، والمواطنات، والمنصوص عليها فى الدساتير المحلية للدول المتحضرة، وفى المواثيق الدولية؟. وهذا ينطبق على الدستور المصرى 2014، الذى ينص فى المادة 59:

«الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل منْ يقيم على أرضها». هل ما حدث فى محمية وادى دجلة، له علاقة من قريب أو من بعيد، بالحياة الآمنة؟. وهل كلام وتصرفات موظف البوابة (من المطوعين)، يوفر الأمن والطمأنينة للمواطنين؟. أم يسبب الإرهاب، والفزع، والإهانة، وسحق الكرامة، واغتيال المواطنة؟، وبالتالى، يعد تجاهلا، واستهانة، واستهزاء، بالدستور المصرى، «كتاب الوطن»؟. كيف يحدث هذا؟.

هؤلاء «المطوعون»، الذين يقدمون طواعية هذه الخدمة المشبوهة الخبيثة، منْ سهل لهم المهمة، منْ وافق على وجودهم، منْ اعتمد وظيفتهم، منْ أطلقهم أحرارا ليقتلوا مكتسبات الدولة المدنية المصرية؟. هناك بالتأكيد جهة ما، أو وزارة ما، أو مؤسسة ما، فتحت لهم الأبواب على مصراعيها.

إذا كانت مؤسسات الدولة، لا تعلم، فهذه مصيبة. وإذا كانت تعلم، فالمصيبة أعظم.

هل تغاضت الجهة التى اعتمدتهم، عن الإرهاب الذين يمارسونه فى عز الظهر، لأنهم «مطوعون»، من تلقاء أنفسهم، ولا يتقاضون مرتبا؟. أم أن هذه الجهة، من جنود الدولة الدينية، ومتحالفة مع الإخوان والسلفيين، ومنْ على مزاجهم؟.

أُنفقت المليارات على مدى نصف قرن، لتصدير الوهابية والسلفية إلى مصر، ثم قاموا بإلغاء هيئة الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، عام 2016، والتى أنشئت عام 1940، لتكون «شرطة دينية»، تشيع الإرهاب والرعب، حيث كانت تقوم بدوريات فى الأسواق، والأماكن العامة، تستبيح خصوصيات الناس، للرقابة على تطبيق شرع الله، والتأكد من عدم اختلاط النساء بالرجال، وأن المرأة ملتزمة بالزى الإسلامى، والتجسس على إغلاق المحلات بالإجبار وقت الصلاة. وأعطيت صلاحيات الضبط والتحقيق والتفتيش. وبدلا منها، تأسست هيئة الترفيه، لرعاية وتنمية كل الأنشطة والفعاليات التى تقدم الترفيه، كجزء أساسى من رؤية 2030، للتقدم والنهضة على جميع المستويات.

وفى إيران، تم إلغاء «شرطة الأخلاق»، أو «شرطة الآداب»، عام 2022، بعد تورطها فى مقتل مهسا أمينى. وقد لعبت دور الشرطة «الدينية»، منذ 2005، تراقب وتعتقل، كل منْ يخالف الزى الدينى، أو يرتدى ملابس غير لائقة.

الإسلام بجناحيه «السُنى» تمثله السعودية، و«الشيعى» تمثله إيران، قد تبرأ من «هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، و«شرطة الأخلاق والآداب». تُرى أى إسلام، يمثله «المطوعون»؟.

فى مصر، يحق لأى شخص، أو مجموعة من الأشخاص، التقدم ببلاغات للنائب العام، ضد ناس، باسم ازدراء الأديان، أو التحريض على الإلحاد، أو إهانة الذات الإلهية، أو الإساءة إلى الرسل والأنبياء، أو الاستهزاء بالكتب المقدسة، أو التشكيك فى ثوابت الوطن، أو إشاعة الفسق والفجور، أو إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، أو السخرية من الشخصيات المقدسة. ومن حق النائب العام، باعتباره «محامى الشعب»، تحريك القضية، أو حفظها.

لكن الملاحظ، أن كل يوم، على جميع الفضائيات، ومنذ سنوات طويلة، هناك آلاف الأشخاص، فى داخل مصر، وخارجها، «واخدين راحتهم على الآخر»، يقومون بازدراء القيم المدنية، وإهانة مفاهيم المواطنة، والاستهزاء بمواد الدستور، والتحريض على الكراهية والعنصرية، وسب وقذف الفنانات والفنانين، وإشاعة التطرف الدينى، وتكفير الشخصيات الفكرية المبدعة، واستقباح المرأة غير المحجبة (غير ملتزمة دينيا)، واستحسان تعدد الزوجات، والقبضة الذكورية على النساء، والتهديد العلنى لأصحاب الأفكار المختلفة، والتشكيك فى نوايا ومشروعات ومواقف القيادة المصرية، والجيش المصرى، وتوظيف «السقطة واللقطة»، والصيد فى الماء العكر، واستهداف الأطفال لغرس التزمت الدينى، وإجبارهم على الطقوس الدينية، وغيرها من السماد الضرورى المسموم، لزراعة وازدهار «الدولة الدينية»، و«الوصاية الدينية».

ومن أسوأ معالم الدول الدينية، انتهاك حريات وخصوصيات البشر، ممثلة فى الدعاية الكاذبة والتدليس، وشغل هيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».

وهؤلاء، لا أحد يبلغ عنهم النائب العام، أو يرفع عليهم قضايا، أو حتى يفند دعاواهم، ويكشف أغراضهم الحقيقية الممنهجة. مع أنهم الخطر الكارثى الحقيقى على مصر.

هناك ظواهر كثيرة، لم نستأصلها من جذورها، أو بدأنا فى التصدى لها، بعد أن استفحلت، وأصبح من الصعب قطع رأس الأفعى التى سممت دمنا، وحياتنا.

«المطوعون»، محاكم تفتيش مستحدثة، وعصور وسطى متحورة. وهى تحتاج إلى «بتر» فى أولها، حتى لا تسرق الوطن. وعلى الدولة اتخاذ الإجراءات الفورية الناجزة، لضمان عدم تكرارها، ومعاقبة منْ تورط فيها، والتوعية الإعلامية بها، وتشجيع الناس على الإبلاغ عنها.

خِتامه شِعر

تستغلون الثغرات والظروف

تصنعون صكوك الغفران

وحُسن السير والسلوك

تكدسونها فى البنوك

تنهون عن المنكر

وبالكرباج تأمرون بالمعروف

بالعِفة المزيفة تغطون النساء

تلعنون الإبداع والفنون

تزدرون تحليق العصافير

تشعلون نار الكراهية

تقتلون فرح القلوب

وتئدون الأقلام والحروف
نقلا عن المصري اليوم