عاطف بشاي
تناولت فى المقال السابق «الطاووس»، بالدراسة والتحليل النفسى والاجتماعى، تلك الشخصية المعجبانية المنبهرة بذاتها، والمتمركزة حول نفسها فى فخر وسعادة وتعاظم، والمتطلعة دائمًا فى مرآة «الأنا» المحدبة المقعرة، وهى شخصية كثيرًا ما احتفت بها السينما المصرية فى مراحل زمنية مختلفة.. فتكرر ظهورها بشكل طاغٍ.. حتى أصبحت نمطًا شائعًا.. وتناولت فى المقال نموذجًا حقق نجاحًا كبيرًا هو الفنان الكبير «حسين فهمى»، بداية من فيلم «خلى بالك من زوزو» إلى أن تمرد «الولد الثقيل»، ولم يقع فى براثن الشخصية، وانطلق يجسد أدوارًا جديدة ذات أبعاد سياسية واجتماعية وإنسانية براقة حققت له شهرة كبيرة ونجاحًا مبهرًا.
نموذج آخر لشخصية «الطاووس» أرصده فى هذا المقال هو «أحمد رمزى»، الذى منذ أن ظهر على الشاشة الكبيرة وهو يرتبط فى أذهان المشاهدين بنمط الغر المفتون بوسامته، الذى يطارد الحسناوات ليوقعهن فى شباكه.. وغالبًا ما يتخلى عنهن بنذالة أو يزين لهن طريق الانحراف، مستغلًّا وسامته ورشاقته وأناقته ولباقته، وحسن مظهره ورونق ملامحه.. وتفرد حضوره.. وارتباطه بمظاهر شكلية براقة.. وتميز طبقى مغرٍ، مصحوب بتكبر واستعلاء وعلو الشأن الاجتماعى، معبر عن النفوذ وفرض الحداثة والرقى والإبهار وادعاء الرومانسية المفرطة.. والبراعة فى نسج حيل الإغواء والاستحواذ المتعددة.. ونصب الشباك المشحونة بتودد زائف.. وتنمر مستتر.. وعبارات حب ووجد واشتياق كاذب وملون.
وأحمد رمزى «٢٣ مارس ١٩٣٠- ٢٩ سبتمبر ٢٠١٢»، الذى قدم أكثر من مائة فيلم خلال عشرين عامًا مثل: «عائلة زيزى- النظارة السوداء- ثرثرة على النيل- حكاية وراء كل باب- جنون الشباب- الأحضان الدافئة- لا تطفئ الشمس- البحث عن فضيحة- شقة الطلبة- آخر شقاوة- نمر التلامذة- شباب مجنون جدًّا». واعتزل الفن فى منتصف عقد السبعينيات، بعد انتهائه من تصوير فيلم «الأبطال» مع فريد شوقى.
وقد كان أحمد رمزى'> أحمد رمزى نجمًا محبوبًا لدى الجماهير، ومميزًا بوسامته وشقاوته ورشاقته وخفة ظله وطريقة أدائه، التى تعبر بحرية وسلاسة ورشاقة عن موضوعات وشخصيات تتسم بطاووسية ومعجبانية لا تخفى فى أغلب الأحيان رعونة وانفلاتًا وزللًا وانحرافات لا تُقيم وزنًا للأخلاق المرعية والفضائل السلوكية والثوابت المحافظة.. لكنه رغم ذلك حقق سطوعًا وترحابًا وإعجابًا وفيرًا من جماهير المتلقين، فمُشاهد الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات لم يكن يُصدر أحكامًا أخلاقية على الفنان ولا على الأعمال الفنية، ويتسامح مع زلّات الشخصية وضعفها الإنسانى.. وتستهويه المتعة الجمالية والأداء المقنع.. والأحداث الدرامية الشائعة والصراعات المتصاعدة المحتدمة دون أن تتزين بحِكَم مفتعلة خارج السياق الدرامى والمنطق الاجتماعى والإنسانى.
لكن حينما دار الزمن اللعين دورته ووصلنا إلى عصر التكفير والتحريم والتجريم وفرض الوصاية الدينية والأخلاقية على الفن والفنانين، وانتشار ثقافة الحلال والحرام، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. أصبح الظلاميون يحاكمون الممثل على اعتبارات أخلاقية ودينية على اعتبار أن السكير على الشاشة هو سكير فى الواقع، واللص فى السينما هو لص فى الحقيقة.. والعاهرة فى الفيلم عاهرة فى الحياة.. ولعلنا نتذكر بهذه المناسبة تلك القضية التى اشتبكت فيها الفنانة إلهام شاهين- منذ سنوات- مع متطرف دينى لتجسيدها شخصيات درامية عارية ومنحرفة.. فوصمها هى شخصيًا بالابتذال والعهر والانحلال وبأقذع الألفاظ وأحَطّ التعبيرات دون أن يفرق بين الشخصية الدرامية على الشاشة وبين حقيقة الممثلة فى الواقع.
لذلك، فإنه من حسن حظ الفنان الجميل الراحل أحمد رمزى'> أحمد رمزى أن أبدع وتألق فى زمن الحرية والتحضر وحرية التعبير، واعتزل الفن قبل أن يدرك زمن سنة حكم التكفيريين، التى لو كانت امتدت سنوات أخرى لحاكموا وحش الشاشة وملك الترسو فريد شوقى ومحمود المليجى وتوفيق الدقن بصفتهم أشرارًا عتاة ومجرمين حقراء فى الحياة كما هم فى السينما.. وأمينة رزق البكّاءة النوّاحة التى تصدر الكآبة والحزن.. فى السينما كما فى حياتها اليومية.. وتستحق النفور والنبذ.. وفاتن حمامة الزوجة الخائنة لزوجها زكى رستم وعشيقة عمر الشريف فى فيلم نهر الحب، هى زوجة خائنة فى الواقع تستحق السجن.. ورانيا يوسف، صاحبة الفستان الفاضح إياه، هى مثيرة للغرائز ومحرضة على الفسق والرذيلة وتستحق الرجم، ومحمد رمضان المتهم بالإجرام وسفك الدماء دون محاكمة على الشاشة ينبغى محاكمته فى الواقع والحكم بإعدامه.. وسعاد حسنى فى فيلم خللى بالك من زوزو، والمتهمة بانتهاك قدسية الجامعة بالرقص المستباح، ينبغى محاكمتها بتهمة الخلاعة والفجور والابتذال والسفور.. بينما من المفترض أنها كأنثى عورة من رأسها حتى أخمص قدميها.
نقلا عن المصرى اليوم