محرر الأقباط متحدون
دعا عميد الدائرة الفاتيكانية للتنمية البشرية المتكاملة، الكاردينال مايكل شيرني، إلى عدم نسيان جذور الهجرة '> ظاهرة الهجرة مشيرا إلى وجود هوة بين القيم المرتبطة بالهجرة، والتي بُنيت على أساسها القارة الأوروبية، والخطاب السياسي الحالي، وأكد أن الهجرة بحد ذاتها ليست المشكلة.

كلمات نيافته جاءت خلال مشاركته يوم أمس الاثنين في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي لتقديم رسالة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالمي للمهاجر واللاجئ ٢٠٢٤ والذي سيُحتفل به في التاسع والعشرين من أيلول سبتمبر المقبل حول موضوع "الله يسير مع شعبه". أكد المسؤول الفاتيكاني أن المهاجر قسراً لا يفعل ذلك بدافع المتعة، لافتا إلى أن الدعاية السياسية والأديولوجية تعطي غالباً الانطباع بأن الشخص المهاجر أو المهجّر يُقدم على هذه الخطوة بهدف الاستمتاع أو لخوض مغامرة ما.

وفي وقت يستعد فيه الناخبون في البلدان السبعة والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للتوجه إلى صناديق الاقتراع آخر هذا الأسبوع للمشاركة في الانتخابات الأوروبية، حذّر الكاردينال شيرني من مغبة جعل مسألة الهجرة تقتصر على المواضيع المجردة، داعياً إلى الحديث عن "المهاجرين" لا عن "الهجرة"، ونفى صحة الأقوال التي ترى في الهجرة أزمة عالمية. وشدد أيضا على ضرورة اعتبار كل شخص مهاجر أخاً وأختاً لنا، مشيرا إلى أن الأخوة تبدّل الصورة تماماً، لافتا إلى أهمية ألا تنسى أوروبا جذورها المرتبطة بالهجرة.

تابع عميد الدائرة الفاتيكانية للتنمية البشرية المتكاملة مؤتمره الصحفي متوقفا عند ضرورة صب الاهتمام على العوامل التي تدفع بالأشخاص على الهجرة وأضاف أننا نحن أيضا، لو واجهنا الضغوط نفسها التي يتعرض لها هؤلاء الأشخاص، لنزحنا عن بلادنا. من هذا المنطلق عاد ليطالب بالنظر إلى المهاجرين والمهاجرات على أنهم أخوة وأخوات لنا، متذكرين أن رحلات اليأس التي يقومون بها يمكن أن تكون رحلاتنا. وحثّ نيافته الجميع على قراءة سفر الخروج، الذي تطرق إليه الحبر الأعظم في رسالته، متوقفاً عند العمل القسري والعبودية والقمع، فضلا عن الطموح إلى أرض الميعاد، ما حمل العبرانيين على ترك أرض مصر.

هذا ثم أوضح الكاردينال شيرني أن العديد من المهاجرين اليائسين يحملون في جعبتهم الكتاب المقدس أو أغراضاً تقوية أخرى لأنهم يضعون ثقتهم في مرساة الخلاص الحقيقية والوحيدة. وشجع الجميع عن توفير الضيافة للمهاجرين لأن اللقاءات معهم هي أوقات من الوحي الإلهي، كما يقول البابا فرنسيس. وذكّر نيافته بأن الكنيسة تقوم حالياً بمسيرة سينودسية، وهي شكل من أشكال الهجرة، لافتا في الختام إلى أن قبول المسافرين على هذه الأرض هو الطريقة التي نسير فيها معاً على دروب الحج نحو موطننا السماوي.

من بين المشاركين في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي  Blessing Okoedion رئيسة جمعية "حائكات السلام"، والتي قدمت شهادتها بعد أن وقعت ضحية عصابات الاتجار بالبشر وأُنقذت من براثنها بفضل شجاعة وقرب "السامريين الصالحين". وروت أنها تعرضت للاستغلال الجنسي. وقد تمكنت من تأسيس هذه الجمعية بالتعاون مع نساء أفريقيات أخريات اللواتي عشن الاختبار نفسه، ومنذ العام ٢٠١٨ ساعدت الجمعية حوالي مائة وخسين فتاة وامرأة على الخروج من أوضاع العبودية والدخول في مسيرة من إعادة الاندماج الاجتماعي والانخراط مجدداً في سوق العمل. كما أن الجمعية تعمل في نيجيريا على تحسيس النساء وتمكينهن، لاسيما في المناطق الريفية.

هذه الولادة الجديدة التي اختبرتها "بليسينغ" تحدثت عنها في كتاب بعنوان "شجاعة الحرية" أعدته بالتعاون مع إحدى الراهبات الإيطاليات، وقد تابعت دروسها العليا في جامعة نابولي، وتمكنت مع الوقت من إعادة اكتشاف القيم المسيحية، التي نقلتها لها عائلتها لكنها تلوثّت مع مرور الزمن. وتوقفت خلال المؤتمر الصحفي عند أهمية الدعم السيكولوجي والعلاقة الشخصية مع ضحايا الاتجار بالبشر الذين يعانون من هذه الصدمة لسنوات طويلة. وقامت، من خلال أطروحتها الجامعية، بتوثيق عملية إعادة إدماج النساء النيجيريات ضحايا الاتجار بالبشر في إيطاليا، من خلال مقابلات مع سبعين امرأة قمن بهذه المسيرة بين عامي ٢٠٠٤ و٢٠٢٢. ولفتت إلى أوجه الشبه بين الروايات التي أظهرت أنه لا بد من بذل المزيد من الجهود لتنعم تلك النسوة بحياة طبيعية آمنة، وخالية من المخاطر.

وقد شهد المؤتمر الصحفي مشاركة الأخت باتريسيا موراي، أمينة السر التنفيذية للاتحاد الدولي للرئيسات العامات، التي تحدثت عن الحواجز الجغرافية وجدران الرفض التي تعترض أشخاصا ينزحون عن أرضهم بسبب الحروب والفقر. وقالت الراهبة الإيرلندية إن هؤلاء يستأهلون احترامنا واعترافنا بهم، معتبرة أن هذا الأمر يتحقق فقط عندما نقترب منهم ونلتقي بهم. وشددت على ضرورة أن نصغي إليهم ونساعدهم على النمو، من خلال المسيرة السينودسية التي تجتازها الكنيسة اليوم، لافتة إلى أنهم رجال ونساء يمكن أن نتعلم منهم الكثير شرط أن نسير معاً.