محمد أبو الغار
الكاتبة منى قطان، زوجة صلاح جاهين، والكتاب «صورة شخصية لزوجة شاعر»، عن دار الكرمة، صدر الكتاب العام الماضى، وتتحدث الكاتبة عن علاقة الحب مع صلاح جاهين، والتى كُللت بالزواج، وخلال هذه العلاقة تحكى عن تاريخ أسرتها فى فلسطين وعن عائلة صلاح جاهين وعن أصدقائها فى معهد الفنون المسرحية، والكتاب يجمع الحب والعشرة والأطفال وتاريخ المنطقة بتقلباتها.
وُلد جاهين عام 1930 ووُلدت منى عام 1944. قدمتها أمها الصحفية بالأهرام لجاهين فى مكتبه حيث يجتمع خلق الله جميعًا، وأصبحا يتقابلان كل أسبوع ويتمشيان فى شوارع القاهرة وتقول إنه أثار دهشتها حين راقصته لتكتشف أنه رغم بدنه الثقيل له خفة فى الرقص كأنه ريشة. تتحدث كثيرًا عن أخت جاهين بحب واحترام وتحكى عن زواجه الأول من زميلة صحفية رسامة ثم تحكى بشغف عن الحب العارم، الذى جذبهما وانطلق بهما إلى عنان السماء، وقد باح كلاهما للآخر بأسرار حياته العاطفية الماضية بكل صراحة. وعندما طلق جاهين زوجته الأولى كان حزينًا ومضطربًا لأن القانون لم يسمح لها أن تطلقه كما طلقها، وفى مرحلة لاحقة أعاد زوجته الأولى على الورق ليكون لها حق فى المعاش والحقوق المادية الأخرى.
كان كريمًا، لم يهتم بالمال، وقسّم دخله ليصرف على بيتين، ومنها احتياجات أطفاله، ورفض أن يقتنى جهاز تكييف مادام أولاده لم يحصلوا عليه.
كانت لغتها الأولى هى الفرنسية، ولغة الدراسة حتى الثانوية هى الإنجليزية، أما العربية فتطلب الأمر وقتًا وجهدًا حتى تتقنها وتتفهم أشعار زوجها.
تنتقل منى فى الكتاب من حكاية إلى أخرى فى أزمنة مختلفة، وتعود إلى زمن ثالث بسرعة فائقة قد تُربك القارئ. تحكى عن عائلتها الفلسطينية فى حيفا، وأنهم طُردوا من فلسطين عام 1948، ولجأت العائلة إلى القاهرة، وانفصل الأب عن الأم، وسافر لينتقل إلى أوروبا، وفجأة أصبح شديد الغنى. تحكى عن اختطافها وهى صغيرة لتعيش مع أبيها، الذى كان وقته مخصصًا للنساء، وغيّر دينه للإسلام حتى يتزوج مسلمة، ثم أدخل ابنته مدارس داخلية فى إنجلترا أعطتها ثقافة أنجلو ساكسونية. ثم انتقلت لتعيش مع الجدة والأم فى القاهرة. الجدة درست بسرعة فن التجميل والمكياج، وأصبحت صاحبة بزنس كبير فى هذا المجال. الأم جاكلين خورى تخرجت فى قسم الصحافة فى الجامعة الأمريكية، وعملت فى القسم الخارجى فى صحيفة الأهرام. ثم نُقلت إلى عمل هامشى، بعد أن تولى هيكل رئاسة التحرير. فى مناطق متفرقة من الكتاب تعبر عن عدم إعجابها بهيكل، وتسميه الرجل ذا السيجار الكوبى، ولم تذكره بالاسم أبدًا.
تتحدث بحب شديد وشاعرية عبر الكتاب عن جلساتها مع جاهين وسفرهما سويًّا. طفولتها كانت تعيشها متنقلة من بلد إلى آخر مع أب غير موجود، وكان يشترى لها الثياب، وهى تشترى الكتب، وحين تعرفت على بطلنا جاهين كانت فى التاسعة عشرة من العمر، وقد رأت القاهرة بعينى شاعرها، وكان قد توقف عن الذهاب إلى الأهرام، وكان يعمل من البيت. التحقت هى بالجامعة الأمريكية. وكان البيت شقة صغيرة عاشا فيها حتى رحل شاعرنا.
تقول منى: كان إحساسى بالعزلة يختفى معه، وتعلمت كيف أستمتع بالحياة، وكان يصر على أن تنجب له أطفالًا، وتقول إنها كانت متعاطفة مع ابن وابنة جاهين، والشعور بالإحساس بالذنب لأنها أخذته منهما. وتذكر زواجها الذى تم بعد حرب 1967 مباشرة، ولم يكن هناك حفل، وإنما فقط صور تذكارية. وتحدثت كثيرًا عن أصدقاء جاهين وضيوفه وسهراتهم طوال الليل ونومه معظم النهار، وعن تأثيره عليها ثقافيًّا وفنيًّا، وأثناء الزواج التحقت بمعهد الفنون المسرحية لتصبح ممثلة. الطبيب النفسى بأدويته كان متواجدًا طوال الوقت للزوجين، وكانت الأدوية تعوقها عن رعاية ابنتها.
وتحسنت لغتها العربية، وأصبحت قادرة على كتابة مسرحية، واستمر سخطها على أبيها بعد وفاته سنوات طويلة. وقالت إنهما كانا يجلسان على قمة العالم، فكان جاهين نبيلًا دون صخب. أمها كانت ذات أصول برجوازية، ولكنها اشتراكية الهوى. واستطاع شاعرها أن يساعدها فى الحصول على ميراثها. وتنتقد بشدة كمال الملاخ، دون ذكر اسمه، بعد أن تولى إشراف الصفحة الأخيرة فى الأهرام بدلًا من أمها. ودفعت الأهرام مصاريف العلاج للأم فى المصحة النفسية، بينما دققت على تكاليف رحلة جاهين إلى هيوستن لإجراء عملية القلب المفتوح. وتقول إن الرجل «ذا السيجار الكوبى» (هيكل) رفض زواج منى من صلاح جاهين، ورفض أيضًا بعد وفاة جاهين أن يكتب مقدمة كتابها «ذكريات». الحقيقة أنه لم يوافق أحد على زواجها من جاهين. الجدة رفضت بسبب اختلاف الدين، الأم رفضت لأنه متزوج، وأخته لأن لديه طفلين، وعادت الأم تقول فارق 14 عامًا فى العمر كبير. وتهددت علاقتهما الزوجية، بعدما أجرت عملية تجميل فى الأنف حتى تكون بطلة لرواية فى السينما، ولم تحصل على الدور. وكانت الآثار النفسية لكارثة 1967، بالإضافة إلى ربما أشياء شخصية، أدت إلى ضرورة سفره إلى موسكو للعلاج النفسى.
وبالطبع بعد هذه الفترة تخللت الزواج مشاكل مختلفة، وتمدح أخت جاهين لأنها ساعدتها كثيرًا.
وتذكر أيام كان شاعرها ينزل مع ابنتهما إلى الشارع لتركب الأتوبيس، وكان ذلك بعد انتهاء عمله الليلى فى الكتابة، ويصعد لينام.
وفقدت ابنتها أباها الشاعر، وعمرها 6 سنوات، ولاحقًا تزوجت وكونت أسرتها الخاصة، وأنجبت ابنتها «فاطمة».
وبعد وفاة زوجها قطعت علاقتها بزملائها فى المعهد العالى للتمثيل، وقد أصبحوا مشاهير ماعدا واحدًا كانت تسميه الأمير الصغير، وكانت تعتبره شخصية من شخصيات تشيكوف، وكان صديقًا عزيزًا لها، ودائمًا يرعى ابنتها، وكان نديمًا وصديقًا لجاهين، (الممثل الراحل عهدى صادق).
وتحكى فى الجزء الثانى من العمل كيف انتحرت أمها بأن ألقت بنفسها من فوق السطوح فى بيتها، بينما جاهين يعمل فى حجرته، وتحكى كيف وجدت منى جاهين فى نوم عميق، ولاحظت شريط دواء فارغًا ملقى فى سلة المهملات، ونُقل إلى المستشفى ورحل بعد 5 أيام. وقد زاد من اكتئاب جاهين فى الفترة السابقة الهجوم عليه بدون سبب.
قال لها جاهين فى أيامه الأخيرة إن المثقفين المصريين فى معظمهم كانوا يعتمدون على عبدالناصر كمنقذ، فراحوا فى نعاس واكتفوا بمدحه أو انتقاده فى أعمال تاريخية بطريقة رمزية.
كانت ابنتها موهوبة منذ طفولتها فى التمثيل مع أصدقائها مثل أمها التى تمنت أن تنجح فيه. وفضلت ابنتها التفرغ للحياة العائلية وتربية الأطفال بالرغم من نجاحها فى أعمال المجتمع المدنى.
الكتاب عاطفى ملىء بالحكاوى الجميلة والجريئة، ويعكس ما آلت إليه مصر والتغييرات التى حدثت فيها. صحيح أن الكاتبة انتقلت وعادت وانتقلت إلى نفس القصة مرارًا، ولكن الحديث كان عن واحد من أهم الشخصيات التى أحببتها فى حياتى وأثرت على مسيرتى.
قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك
نقلا عن المصرى اليوم