سامح فوزي
لاحظت أن عددًا من الإعلاميين علَّق على بقاء رئيس الوزراء فى موقعه أنه كان يتمنى تغيير شخص رئيس الحكومة، رغم احترامهم للدكتور مصطفى مدبولى، وتقديرهم له، بل إن هناك من دعا إلى تكريمه.

ولم أدرِ من أى منطلق يبنى أصحاب هذا الرأى موقفهم. إذ إن جميع التكهنات فى الفترة الماضية كانت تصب فى اتجاه الإبقاء على شخص رئيس الحكومة، الذى ينظر إليه على أنه تحمَّل صعوبات المرحلة الماضية، ولا يصح الاستغناء عنه عندما تلوح فى الأفق انفراجة للأزمة الاقتصادية. وعادة فإن الوزارات التى تتخذ إجراءات اقتصادية مؤلمة لا تجد ترحيبًا من الناس. فضلا عن أننا لسنا بصدد وزارة سياسية، لها لون سياسى معين، حتى نطالب برحيلها، ومجىء وزارة سياسية أخرى بلون سياسى مختلف.

الحكومة لدينا تكنوقراط بالمعنى المباشر للكلمة، كل ما يشغلها إدارة الاقتصاد ومتطلبات الحياة اليومية، لا تحمل فكرا سياسيا، ولا يتحدث رئيسها فى السياسية إلا فى أضيق الحدود. ولا أتذكر أن الدكتور مصطفى مدبولى تحدث فى شأن سياسى، أو كان له انحياز سياسى معين.

ولا غرو فى ذلك، حيث لا يشكل وجود حكومة تكنوقراط عوارا فى العمل الحكومى، بل قد تكون لها فوائدها طالما أن التحديات القائمة تتطلب حلولا فنية، وكفاءات علمية، وقدرة على التماس حلول مبتكرة.

الإشكالية فى رأيى ليست فى الاختيار بين السياسة والإدارة الفنية، ولكن فى إيجاد كفاءات تكنوقراط تدير دولاب العمل الحكومى، وفق خطط محل قبول وتفهم، وشفافية فى العمل، وأولويات فى الإنفاق العام، وأسس محاسبة واضحة.

وأكاد أجزم أن الحلول الأيديولوجية للمشكلات تراجعت عالميا، والغلبة الآن للحلول التقنية.. وبالتالى يصبح السؤال: هل نستطيع بالفعل الاستعانة بكفاءات فنية، لديها الرؤية، والصلاحيات التى تتيح لها التعامل مع واقع معقد، ولاسيما على الصعيد الاقتصادى؟ أم نتصور أن الوزراء القادمين أيا كانت أسماؤهم تنفيذيين لا أكثر؟ هذا هو مربط الفرس، والإجابة عن السؤال الأساسى هل التغيير فى الوجوه أم السياسات؟ هل ستواصل الحكومة ما بدأته من إجراءات اقتصادية لها وقعها الشديد على المواطن أم سيكون لها توجه آخر؟ الظاهر أمامى هو أن الحكومة ماضية فى طريقها، ولا يعبر التغيير الوزارى عن انتهاء مرحلة وبداية مرحلة جديدة، وليست القضية فى تغيير شخص رئيس الحكومة أو حتى فى تغيير غالبية الوزراء، ولكن فى الحاجة إلى وجود تصور واضح للمرحلة المقبلة، بكل ما تحمله من تعقيدات وتحديات بالنسبة للمواطنين، خاصة الفقراء.

هذه هى المسئولية الحقيقية لأى حكومة قادمة، وتصبح الغاية الأساسية هى أن نفهم أولا، ونتفق على الأولويات، ثم نرى التنفيذ. وأظن أنه بالإضافة إلى النقاش البرلمانى، الذى هو الأساس، ينبغى أن تطرح الحكومة خطتها على المجتمع سواء فى الحوار الوطنى والمجتمع المدنى والإعلام حتى ندرك فى أى مسار نمضى.
نقلا عن الشروق