ياسر أيوب

لا تزال باريس وصحافة أوروبا وأهل التنس يتحدثون عن الحمامة التى سقطت على أرض ملعب سوزان لينجلين أثناء إحدى مباريات بطولة رولان جاروس الحالية.. وكانت إحدى مباريات الدور الثالث للبطولة بين الروسى دانييل ميدفيديف والتشيكى توماس ماخاتش.. وفوجئ الجميع أثناء تبديل اللاعبين لمكانيهما فى المجموعة الرابعة بحمامة تسقط على الأرض وكان واضحا عجزها عن الطيران.

 

وقبل أن يتحرك أى أحد من جامعى الكرات حول الملعب.. كسر حكم المباراة الفرنسى داميان ديميزوا كل تقاليد التنس ونزل بسرعة من مقعده العالى والتقط بنفسه الحمامة الجريحة وحملها وسلمها لأحد العاملين وسط تصفيق كل من كانوا فى الملعب.. وعاد داميان بعدها إلى مقعده واستأنف اللعب.. وكانت المرة الأولى التى يتلقى فيها داميان مثل هذه التحية الجماعية رغم أنه سبق له أن أدار سبع نهائيات لرولان جاروس للنهائيات وأيضا نهائى استراليا المفتوحة وويمبلدون وأمريكا المفتوحة.

 

وأعرف تماما أن هناك من سيسخر من كل ذلك ومن هؤلاء الذين تعاطفوا مع حمامة جريحة ولم تتأثر مشاعر معظمهم بما جرى ولا يزال يجرى فى غزة.. لكن من الممكن أن نخدع أنفسنا ونتخيل أن من أوجعته اليوم جروح حمامة قد تؤلمه غدا جروح أطفال ونساء ورجال فقدوا كل شىء ومنهم من فقدوا الحياة نفسها.. فالفرنسيون أنفسهم تغيرت رؤيتهم للحمام فى 124 سنة.

 

فالبارون الفرنسى دى كوبرتان كان أحد أبطال صيد الحمام وأحد الذين أسسوا صيد الحمام كلعبة فى فرنسا.. وحين بدأ كوبرتان الدورات الأوليمبية فى العصر الحديث.. أضاف صيد الحمام كلعبة أوليمبية فى دورة باريس 1900 ليفوز بالذهب من يقتل أكثر عدد من الحمام.. وبانتهاء المسابقة تسلم البلجيكى دى لوندين ميدالية الذهب بينما كانت الأرض مغطاة بالدماء وريش الحمام المقتول فى مشهد تم وصفه بأنه الأكثر قبحا فى كل التاريخ الأوليمبى.

 

وتم إلغاء اللعبة نهائيا واستعاد الحمام الرؤية القديمة له كرمز للسلام أيضا.. وتوالت حكايات الحمام والسلام فى مختلف الحضارات من الصين إلى أمريكا اللاتينية.. ورغم مكانة الحمام فى التراث المصرى القديم بعدما قام بحماية حورس.. لا يزال المصريون من شعوب قليلة فى العالم تذبح الحمام وتأكله رغم اقتناعهم فى أشعارهم وأغانيهم بالحمام كرمز للسلام.

 

وحين بدأت الدورات الأوليمبية فى العصر القديم فى 776 قبل الميلاد.. كان أول قوانينها هو إطلاق الحمام رمزا لسيادة السلام إثناء الدورات فلا حروب وصراعات لأى سبب وبأى شكل.. وبعد 124 سنة على المذبحة الأوليمبية للحمام فى فرنسا.. كان التعاطف الفرنسى فى رولان جاروس مع حمامة جريحة سقطت على الأرض وتحية من قام بإنقاذها.

نقلا عن المصرى اليوم