سحر الجعارة
من قتل الطبيبة «نهى محمود سالم» بتلك الوحشية والهمجية فى تركيا؟. هذا هو السؤال الذى يحيّر محبيها على السوشيال ميديا، وأهالى الإسكندرية الذين خدمتهم على كل الشواطئ وفى كل الأماكن بحملتها المجتمعية «ما ترميش على الأرض». هل سددت «نهى» ثمن أفكارها بتشويه وجهها وحلق شعرها ورميها فى بارك عارية!.

تختصر «نهى» معاناتها فى مقدمة كتابها «لماذا خلعت الحجاب»، الذى نشر بالكامل على مدونة خاصة بها فى أكتوبر 2013، ومن فقرة الإهداء فقط، تستطيع أن تكوِّن صورة عن حياتها ومعاناتها مع أسرتها وخاصة زوجها السلفى وأولاده الثلاثة المعجونين بماء الشيطنة الوهابية، تقول فيه: «إلى كل الذين تألموا وتحملوا من العذاب والمعاناة فوق احتمال البشر بسبب تحولى الفكرى من الأصولية إلى العقلانية العلمية، والذين أرجو أن يعذرونى ويسامحونى ويتعاطفوا معى ويشعروا بالشفقة من أجلى بعد قراءة كتابى».

وتابعت: «إلى ابنى الأكبر الأصولى الذى رفض إقامتى فى منزله، وخاف على زوجته أن تتأثر بالعقلانية التى أعتنقها، وإلى ابنى الأوسط الأصولى الذى أفسد حياته الوسواس القهرى ولا يستطيع الشفاء منه بسبب الطقوس الدينية».

وأضافت: «إلى ابنى الأصغر الإخوانى الذى قاطعنى ورفض أن يسلم علىّ ويقبّلنى منذ سنوات عديدة عجزت عن عدها حتى هذه اللحظة، بسبب تحولى إلى العقلانية، وإلى أختى المهندسة المنتقبة التى كنت أنا سبباً فى ارتدائها النقاب وأشعر بتأنيب الضمير والمسئولية لعدم استطاعتها الخروج من الفخ والمصيدة مثلى».

«إلى أمى التى غرست فىّ القيم والأخلاق والمبادئ والمثل العليا والمحافظة على الرشاقة واللياقة البدنية والأسلوب الصحى فى الحياة والسعى الدائم نحو (الكمالية)، والتى لا ترحب بى للإقامة فى منزلها.. إلى حفيدى ذى العامين الذى أرجو أن ينشأ عقلانياً وليس أصولياً سلفياً كأبيه».

«إلى أبو أولادى وزوجى السابق الإخوانى الذى ضحى بعشرة وحب خمسة وعشرين عاماً زواجاً وكفاحاً مشتركاً على الحلوة والمرة وأحال حياتنا الزوجية جحيماً لا يطاق لأنى تحولت إلى العقلانية وانتهت قصة حب طويلة بسبب الآية «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ».. انتهى الإهداء الذى حذفت بعض جمله.

لم تكن نهى ملحدة، لكنها كانت ربوبية تؤمن بالخالق عز وجل، وقبل حوالى 9 سنوات، حيث كانت مناقشة المختلف عنا موضة لإحراجه أو إحراقه كما حدث للبهائيين عقب ظهورهم على الشاشة، استضافتها المذيعة المثيرة للجدل «ريهام سعيد» لمناقشة أفكارها بمنتهى التعسف ومصادرة الرأى بحثاً عن اللقطة الشهيرة لهواة الشهرة: «اطلعى بره الاستوديو».

كانت نهى ترتدى فى الحلقة النقاب حتى لا تتعرض لخطر القتل من السلفيين المنتشرين فى الإسكندرية، لكن المذيعة بدون أى وازع أخلاقى سرّبت اسمها للإعلام.. أنا هنا أعدد من تربصوا بحياة نهى وهددوها وطاردوها.

الصديقة «ساندى توفيق» نشرت على «فيس بوك» أن «نهى» قد أبلغتها هى وبعض الأصدقاء المقربين أنها تزوجت فى تركيا قبل اختفائها بأسبوعين فقط ونشرت صورتهما معاً.

وتشير المعلومات إلى أن الطبيبة كانت قد طلبت من أحد أبنائها القدوم إلى تركيا لحضور مراسم زواجها، وبعد أيام قليلة وتحديداً فى 9 مايو الماضى انقطع الاتصال بها وأُغلق هاتفها تماماً.

وتبين أن المصرى الذى تزوج الطبيبة فى تركيا، من مدينة طنطا ويبلغ من العمر 45 عاماً ويعمل مترجماً للغة التركية، ولديه أعمال تجارية فى إسطنبول.

من قتل «نهى»؟ الإخوان والسلفيون الذين تربطهم بها رابطة دم.. أم الوحدة الشديدة التى عانتها بعد مقاطعة أهلها لها؟.. هل سددت نهى فاتورة تمردها على القهر السلفى وبيزنس الإخوان وصدامها مع الإسلام السياسى بين أفراد أسرتها؟.. أم أنها دفعت عمرها لمجرد تصديقها بأن هذا البلد يحمى «حرية العقيدة» ويرحب بحق الاختلاف والحوار الجاد.. وأن بيننا رجالاً يدركون أن التراث الدينى ملىء بالخرافات الدخيلة على الأديان جميعاً.. وأن تنقيته ضرورة ليبقى منارة للبشر!.

أم لأنها صدقت «رجلاً» أهداها حباً مزيفاً واستدرجها للزواج فى تركيا.. لكنه زفها لملك الموت إما تآمراً مع تيار سلفى-إخوانى أو لأنه نفسه متطرف فكرياً ودينياً.. أم لأسباب أخرى لا نعلمها.

سوف يبقى اسم «نهى محمود سالم» خالداً بشعارها «ما ترميش على الأرض» فلن ينساه أهل الإسكندرية.. وسوف تبقى هى نفسها باقية فى قلوب من أحبوا عذوبتها ورقتها ودفء شخصيتها المحبة للحياة المناصرة للمرأة الباحثة عن «نافذة تنوير» واحدة.. إنها نهى التى أشعلت شموعاً كثيرة ولم تلعن الظلام.. ويكفيها فخراً فى تاريخها بأنها كشفت «أكذوبة النقاب».
نقلا عن الوطن