د. أمير فهمى زخارى 
 
وقد بنى الصقلي قصرا منيفا لسكن المعز لدين الله الخليفة الفاطمي ، وجعله مقرا لحكم المعز ، عندما جاء من بلاد المغرب العربي . 
 
ثم بنى الصقلي سورا ممتدا حول العاصمة له أبواب ثمانية، وقد بلغت مساحة العاصمة في البداية (340 فدانا ) ، قبل أن تتوسع مع مرور السنوات .
 
الشاهد هنا ، أن الصقلي جعل القاهرة حكرا على الطبقة الحاكمة ومؤيديها ورجالها ، ومنع عامة الشعب من الدخول إليها ، وإلا تعرضوا لعقوبة شديدة، ومن هنا ظهر المثل الشعبي ، الذي يدعو الناس إلى المشي جنب حائط السور ، وعدم التفكير أبدا في معرفة ما وراء السور ، فضلا عن الدخول من إحدى بواباته ، فالمشي جنب حائطه يعني : السلامة والأمان .
 
إذًا ، ارتبط المثل منذ بدايته بالسلطة ، وتداوله الناس فيما بينهم بنفس المعنى الذي انحدر إليهم عبر القرون المتتابعة .
والغريب ، أن المثل حافظ على نفس مفهومه الأوليّ ، ألا وهو طلب السلامة ، وأدرك مرددو المثل أن الأمان يعني السير في حالك ، والنأي عن أهل السلطة والثروة والصولجان . 
 
فهم خلف الأسوار لهم حياتهم الخاصة ، ولا يريدون لعامة الشعب المشاركة فيها ، أو حتى الاطلاع عليها. 
 
ورغم اتساع دلالة المثل بمضي الوقت ، إلا أن المعنى الأساسي لم يتغير ، وطوّره البعض وقالوا : ” امشِ جنب الحيط ، ولو ملقتش حيط ، ابني حيط وامشي جنبها “؛ في سخرية مريرة ، تعبر عن أزمة الإنسان مع السلطة ، فهو يخاف منها ، وينأى عنها، فإن لم يجدها سيصنعها بطريقته الخاصة ، سيبني سورا ، يحيط بسلطة متخيلة، يخاف منها ، ويسير بجانب سورها الوهمي الذي بناه حولها . 
 
وهناك من أبدع ، ضمن ثقافة الخوف ، وقال : والله انا قاعد جوه الحيط نفسها. موقنا أن إيثار السلامة نعمة ، مرددا الحكمة المأثورة : من خاف سلم .
 يا ترى انت بتمشى جنب الحيط اليومين دول ... والا مش لاقى الحيط... تحياتى.