محرر الأقباط متحدون
البابا فرنسيس .. "أفكّر في كم هو ضروري ومُلِّح في أن ينهض أخيرًا من تحت أنقاض غزة القرار بوقف الأسلحة ولذلك أطلب أن يكون هناك وقف لإطلاق النّار وأفكّر في السّكان الفلسطينيِّين وأطلب أن تتمَّ حمايتهم وأن يحصلوا على كلّ المساعدات الإنسانيّة الضرورية؛ أفكّر في العديد من النازحين بسبب القتال، وأطلب أن يتمّ إعادة بناء بيوتهم قريبًا لكي يتمكّنوا من العودة إليها بسلام" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته في وقفة الصّلاة في الذّكرى السّنويّة العاشرة للصّلاة من أجل السّلام في الأرض المقدّسة

ترأس قداسة البابا فرنسيس مساء الجمعة في حدائق الفاتيكان وقفة صّلاة في الذّكرى السّنويّة العاشرة للصّلاة من أجل السّلام في الأرض المقدّسة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها أشكركم على حضوركم هنا للاحتفال بالذّكرى السّنويّة العاشرة للصّلاة من أجل السّلام في الأرض المقدّسة. شكرًا لكم. لقد قَبِلَ رئيس دولة إسرائيل آنذاك، الرّاحل شمعون بيريز، ورئيس دولة فلسطين، السّيّد محمود عبّاس، دعوتي إلى المجيء لكي نلتمس من الله عطيّة السّلام. بضعة أسابيع قبل ذلك كنت حاجًّا في الأرض المقدّسة، وهناك عبّرت عن رغبة شديدة في أن يلتقي الاثنان لكي يقوما معًا ببادرة رمزية تاريخية من الحوار والسلام. أحمل في قلبي امتنانًا كبيرًا على ذلك اليوم، فيما أحتفظ بذكرى ذلك العناق المؤثر بين الرئيسين في حضور قداسة البطريرك برثلماوس الأوّل، البطريرك المسكونيّ، وممثّلي الجماعات المسيحيّة واليهوديّة والإسلاميّة القادمين من القدس.

تابع البابا فرنسيس يقول أن نتذكر اليوم، هذا الحدث هو أمر مهم، لاسيما في ضوء ما يحدث الآن للأسف في فلسطين وإسرائيل. منذ أشهر ونحن نشهد على سلسلة متزايدة من الأعمال العدائيّة، ونرى العديد من الأبرياء يموتون أمام عيوننا. على هذه الآلام كلها، ووحشيّة الحرب، والعنف الذي تسببه، والكراهية التي تزرعها أيضًا في الأجيال المستقبليّة أن تقنعنا بأنّ "كلّ حرب تترك العالم أسوأ ممّا كان عليه قبلها. الحرب هي فشل السّياسة والإنسانيّة، واستسلامٌ مُخزٍ، وهزيمة أمام قوى الشّرّ". ولهذا السّبّب، بدلًا من أن نخدع أنفسنا بأنّ الحرب يمكنها أن تحلّ المشاكل وتحمل السّلام، علينا أن نكون قاطعين ومتنبّهين إزاء أيديولوجيّة تُهَيمِنُ اليوم للأسف، والتي بموجبها "يشكل الصّراع والعنف والانقسامات جزءًا من السير الطّبيعيّ للمجتمع". ما هو على المحك حقاً هو الصراع على السلطة بين مختلف الفئات الاجتماعية، والمصالح الاقتصادية الحزبية، والمناورات السياسية الدولية التي تهدف إلى تحقيق سلام ظاهري فيما تهرب من المشاكل الحقيقية. ولكن في زمن مطبوع بالصّراعات المأساويّة، نحن بحاجة إلى التزام متجدِّد من أجل بناء عالم سلمي. ولذلك أريد أن أقول إلى جميع المؤمنين، وجميع الأشخاص ذوي الإرادة الصّالحة: لا نتوقَّفنَّ أبدًا عن أن نحلم بالسّلام، وعن بناء علاقات سلام!

أضاف الأب الأقدس يقول أنا أصلّي كلّ يوم لكي تنتهي هذه الحرب أخيرًا. أفكّر في جميع الذين يتألّمون، في إسرائيل وفلسطين، في المسيحيِّين واليهود والمسلمين. أفكّر في كم هو ضروري ومُلِّح في أن ينهض أخيرًا من تحت أنقاض غزة القرار بوقف الأسلحة ولذلك أطلب أن يكون هناك وقف لإطلاق النّار؛ وأفكّر في الأهالي والرّهائن الإسرائيليّين وأطلب أن يتمَّ إطلاق سراحهم في أقرب وقت ممكن. وأفكّر في السّكان الفلسطينيِّين وأطلب أن تتمَّ حمايتهم وأن يحصلوا على كلّ المساعدات الإنسانيّة الضرورية؛ أفكّر في العديد من النازحين بسبب القتال، وأطلب أن يتمّ إعادة بناء بيوتهم قريبًا لكي يتمكّنوا من العودة إليها بسلام. أفكّر أيضًا بالفلسطينيّين والإسرائيليّين ذوي الإرادة الصالحة، الذين بين الدّموع والآلام، لا يتوقّفون عن الانتظار على أمل وصول يوم جديد، ويجتهدون من أجل تحقيق فجر عالم سلمي حيث "ستَضرِبُ فيه [جميع الشّعوب] سُيوفَهم سِكَكًا ورِماحَهم مَناجِل، فلا تَرفَعُ أُمَّةٌ على أُمَّةٍ سَيفًا، ولا يَتَعَلَّمونَ الحَربَ بَعدَ ذلك". علينا جميعًا أن نعمل ونلتزم لكي نبلغ سلامًا دائمًا، يمكن فيه لدولة فلسطين ودولة إسرائيل أن تعيشا جنبًا إلى جنب، وتحطِّما جدران العداوة والكراهية. علينا جميعًا أن نعتزَّ بالقدس لكي تصبح "مدينة اللقاء الأخوّي" بين المسيحيّين واليهود والمسلمين، يحفظها نظام خاص يتمتّع بضمانات على صعيد دولي.

تابع الحبر الأعظم يقول أيّها الإخوة والأخوات، نحن اليوم هنا لكي نلتمس السّلام. ونطلبه من الله، كعطيَّة من رحمته. إنَّ السّلام في الواقع، لا يتمّ فقط باتفاقيّات على الورق أو على طاولة التّنازلات الإنسانيّة والسّياسيّة. بل هو يولد من قلوب قد تحوّلت، وينبع عندما تبلغ كلَّ فرد منا وتلمسه محبّة الله، التي تذوّب أنانيّتنا، وتحطّم أحكامنا المسبقة وتمنحنا طعم وفرح الصّداقة والأخوّة والتّضامن المتبادل. لا يمكن أن يكون هناك سلام إن لم نسمح أوّلًا لله بأن يجرِّد قلوبنا من الأسلحة، لكي يجعلها مضيافة ورؤوفة ورحيمة. ولذلك، نريد هذا المساء أن نجدّد صلاتنا، ونريد أن نرفع إلى الله توسّلنا من أجل السّلام، كما فعلنا لعشرة سنوات خلت. نريد أن نطلب من الرب أن ينمِّي أكثر شجرة الزّيتون التي غرسناها في ذلك اليوم: لقد أصبحت قويّة وغضّة الأغصان، لأنّها قد حُفظت من الرّياح، وتمّ ريَّها بعناية. وبالطّريقة عينها، علينا أن نسأل الله أنّ يُنبت السّلام في قلب كلّ إنسان، وفي كلّ شعب وأمّة، وفي كلّ جزء من الأرض، في حمى من رياح الحرب ويرويه الذين يلتزمون يوميًّا في عيش الأخُوَّة. لا نتوقّفنَّ أبدًا عن أن نحلم بالسّلام، الذي يمنحنا الفرح غير المنتظر لشعورنا بأنّنا جزء من عائلة بشريّة واحدة. هذا الفرح قد رأيته لبضعة أيام خلت في فيرونا، على وجهَي هذَين الأبوَين، الإسرائيليّ والفلسطينيّ، اللذين تعانقا أمام الجميع. هذا ما تحتاج إليه إسرائيل وفلسطين: عناق سلام!

وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول لنطلب إذًا من الرّبّ يسوع أن يتمكّن قادة الأمم والأطراف المتنازعة من أن يجدوا طريق التّوافق والوَحدة، وأن يعترف الجميع بأنّهم إخوة. لنطلب ذلك من الرّبّ يسوع، بشفاعة مريم، فتاة النّاصرة، وملكة السّلام، لنردّد هذه الصّلاة التي صلّيناها لعشرة سنوات خلت: إيّها الرّبّ، يا إله السّلام، أصغِ إلى توسُّلاتنا! لقد حاولنا مرّات كثيرة، ولسنوات عديدة أن نحلّ صراعاتنا بقوانا وكذلك بأسلحتنا. لحظات عداوة وظّلام كثيرة، ودماء كثيرة قد سُفكت. أرواح كثيرة قد زهقت وآمال كثيرة دُفنت... لكن جهودنا كانت بلا جدوى. ساعدنا الآن أنت يا ربّ! أعطنا السّلام، وعلّمنا السّلام، وقدنا نحو السّلام. افتح عيوننا وقلوبنا وأعطنا الشّجاعة لكي نقول "لا للحرب بعد الآن!"؛ "الحرب تُدمَّر كلّ شيء!". ابعث فينا الشجاعة لكي نقوم ببادرات ملموسة من أجل بناء السلام. أيّها الرّبّ، إله إبراهيم والأنبياء، إله المحبّة الذي خلقتنا وتدعونا لكي نعيش كإخوة، أعطنا القوّة لنكون كلّ يوم صانعي سلام. أعطنا القدرة لكي ننظر بمحبة إلى جميع الإخوة الذين نلتقي بهم في مسيرتنا. اجعلنا مستعدّين لكي نصغي إلى صرخة مواطنينا الذين يطلبون منّا أن نحوّل أسلحتنا إلى أدوات سلام ومخاوفنا إلى ثقة وتوتّراتنا إلى مغفرة. أَبقِ شعلة الرّجاء متّقدة في داخلنا لكي نقوم بصبر ومثابرة بخيارات حوار ومصالحة، لكي ينتصر السّلام أخيرًا. ولْتَنتَفِ إلى الأبد من قلب كلّ إنسان هذه الكلمات: الانقسام، والكراهية، والحرب! يا ربّ، جرّد اللسان والأيدي من السّلاح، وجدّد القلوب والعقول، لكي تكون كلمة "أخ" هي الكلمة التي تجعلنا نلتقي على الدوام ويكون أسلوب حياتنا أسلوبَ سلام! آمين.