القمص يوحنا نصيف
    "مبارك ومقدّس كل مَن له نصيب في القيامة الأولى، هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم، بل سيكونون كهنةً لله والمسيح، وسيملكون معه ألف سنة" (رؤ20: 6).

    جاءت هذه الآية في سِفر الرؤيا، لتكشف حالة ومصير الذين لهم نصيب في القيامة الأولى.. فما هي القيامة الأولى؟ وما هو الموت الثاني؟ وما هو أصلاً الموت الأول؟! وهل هناك قيامة ثانية..؟!!

    أحاول في هذا المقال تقديم إجابات مبسّطة ووافية لكلّ هذه الأسئلة:
    + القيامة الأولى (رؤ20: 4-5) هي القيامة مع المسيح من موت الخطيّة، وهو ما بدأ بقيامة المسيح من الأموات، ويتحقَّق للمؤمنين في المعموديّة.. "مدفونين معه في المعموديّة، التي فيها أُقِمتُم أيضًا معه، بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات" (كو2: 12).. "..قد مُتُّم مع المسيح.." (كو2: 20) "..قد قُمتُم مع المسيح.." (كو3: 1).. "كل مَن اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدُفِنَّا معه بالمعموديّة للموت، حتّى كما أُقيمَ المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جِدّة الحياة. لأنه إن كُنّا قد صِرنا متّحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته... فإن كُنّا قد مُتنا مع المسيح نؤمِن أنّنا سنحيا أيضًا معه.." (رو6: 3-8)..

    وهذه القيامة يلزمنا أن نعرف أنّها ليست حدَثًا محدودًا تمّ في الماضي أثناء معموديّتنا، ولكنها حدَث مُمتَدّ نعيشه كلّ يوم.. بمعنى أنّنا أخذنا في المعموديّة قوّة موت عن الخطيّة، وقوّة قيامة وحياة جديدة، لنعيشَ بهذه القوّة في حياتنا كلّ يوم وكلّ ساعة.. ولهذا يُكمِل معلِّمنا بولس الرسول حديثه بالروح القدس قائلاً: "..احسِبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطيّة، لكن أحياءً لله بالمسيح يسوع ربنا.. لا تُمَلِّكَن الخطيّة (مرّة أخرى) في جسدكم المائت (الذي مات في المعموديّة) لكي تطيعوها في شهواته. ولا تُقَدِّموا أعضاءكم آلات إثم للخطيّة بل قدِّموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات، وأعضاءكم آلات برّ لله" (رو6: 12-13).

    والقيامة الأولى تشمل أيضًا ما يحدث بعد المعموديّة، عندما نُرشَم بمسحة الروح القدس (سِرّ الميرون)، فنصير كهنة لله، أي ممسوحين ومكرّسين لله، وكلّ حياتنا تكون ملكًا له.. فيصبح كلّ واحد فينا "مسيح الرب".. وهذا هو "الكهنوت العام" الذي يشترك فيه جميع المسيحيين من رجال ونساء وأطفال وشيوخ.. أنّنا جميعًا بالميرون نكون كهنة الله (رؤ20: 6)..

    وهذا بالطّبع غير "الكهنوت الخاصّ" الذي هو "سرّ الكهنوت" والذي يتمّ بوضع اليد [(أع8: 14-21)، (أع13: 3)، (1تي4: 14)، (1تي5: 22)، (2تي1: 6)] ونفخة الروح القدس (يو20: 20) فيصير الشخص وكيل سرائر الله (1كو4: 1).

    أمّا عن الألف سنة فهي تشير إلى الحياة السماويّة الممتدّة مع المسيح.. فرقم 1000 يشير دائمًا للحياة السماويّة الأبديّة التي لا تنتهي مع الله.. ولا ننسى أنّ الإنجيل يُخبِرنا أنّ "يومًا واحِدًا عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيومٍ واحِد" (2بط3: 8 ). فمُلك الألف سنة يُشير إلى ملكوت دائم مع المسيح.. يوم واحِد لا ينتهي هو يوم الأبديّة...!

    بهذا نكون قد فهمنا معنى القيامة الأولى..
    + الموت الثاني.. هو الهلاك الأبدي، والعذاب في بحيرة النار المُعَدَّة لإبليس وملائكته، كما هو واضح في [(مت25: 41)، (رؤ20: 14)].

    + أمّا الموت الأول فهو مفهوم ضِمنًا في شرح معنى القيامة الأولى.. فلا تأتي القيامة الأولى مع المسيح إلاّ بعد الموت الأول الذي يتمّ في المعموديّة، ويمتدّ في حياتنا كل يوم، بأن نموت عن الخطيّة وعن الشرّ الذي في العالم.. وهو ما وضَّحَهُ أيضًا معلِّمنا بولس الرسول بالروح القدس حينما قال: "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع، لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا.." (2كو4: 10)..

    وهذا الموت الأوّل هو أساسيّ للقيامة الأولى، وبدونه لا يكون لنا نصيب فيها..!

    + وأخيرًا ما هي القيامة الثانية..؟!
    يُحَدِّثنا السيد المسيح عنها في أكثر من موضِع، فيقول مثلاً: "تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصّالحات إلى قيامة الحياة، والذين صنعوا السّيِّآت إلى قيامة الدينونة" (يو5: 28-29).. بمعنى أنّ القيامة الثانية تحدُث في يوم الدينونة عند مجيء المسيح الثاني، وتكون بالنسبة للأبرار حياةً أبديّة في ميراث الفرح والمجد والنور، أمَّا بالنسبة للأشرار فتكون هلاكًا أبديًّا.. أو ما يُسَمَّى بالموت الثاني..

* خُلاصَة الكلام أنّنا كمسيحيين نعيش الآن القيامة الأولى.. ليس فقط في فترة الخمسين المقدَّسة، بل كلّ يوم من أيام حياتنا بعد المعموديّة.. نموت عن محبَّة العالم، مُتَحَرِّرين من رباطاته الرديئة.. ونحيا بقوّة قيامة المسيح فينا، ثابتين في وصاياه، شاهدين لمحبّته، مُثمرين لمجد اسمه.. هذه هي القيامة الأولى..

    "مبارك ومقدّس كل مَن له نصيب في القيامة الأولى، هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم، بل سيكونون كهنةً لله والمسيح، وسيملكون معه ألف سنة" (رؤ20: 6).
القمص يوحنا نصيف
الخمسين المقدّسة 2024